IMLebanon

ما بين كاغ والأحمد… دروس وعِبر

سمعَت كثيراً من «النّق» حتى الآن، لكنّ المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ لم تُكمِل بعد جولتها التعارفيّة على المسؤولين والفاعليات. إنّها على الطريق لإنجاز ما يستوجبه البروتوكول، لكنّ المهمّة صعبة والأجندة بدأت تطفَح بالمطالب والأسئلة المصيريّة، وفي زحمة مواعيدها، أطلَّ الإرهاب في تلّة الحمرا وجرود عرسال، وتمكّنَ الجيش من استعادة زمام المبادرة. كانت على مقربةٍ من الحدث، وعَدَت وزيرَ الداخلية نهاد المشنوق بإيلاء الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي أهمّية قصوى، لكن ماذا فعلت الأمم المتّحدة والتحالف الدولي لمؤازرة الجيش؟

تركت كاغ في مجالس بعض مَن زارتهم انطباعَين:

الأوّل، مثير للقلق ويتّصل بتطبيع النزوح،»ذلك أنّ مفهومَها للاستقرار الأمني والاجتماعي ينطلق من ردمِ الهوّات الكثيرة ما بين المجتمع اللبناني والمجتمع الوافد الذي يُقاسِم اللبنانيين لقمة العيش، والأرض، والاستمراريّة. هناك أجيال تبصِر النور على أرض لبنان، ولا تعرف مِن سوريا وعنها شيئاً.

الثاني، إنّها مؤتمَنة على تنفيذ سياسة الأمم المتحدة، وتوجّهات الأمين العام بان كي مون، ولنا مِن طرفِ لسانها حلاوة، لأنّ «مكانَةَ لبنان في المنظّمة الدوليّة مرموقة، وهو يحظى بمقدار وافر من الاحترام والرعاية والاهتمام». ولكن أين يصرف مثل هذا الكلام، وكيف؟

ماذا بعد؟

حتى الآن لم تجاهر بخطّة متكاملة، لكنّ الانطلاق من خريطة طريق واضحة المعالم يحتاج إلى وقت، ذلك أنّ لبنان قد عوَّد المجتمع الدولي على أنّه دائماً في وضعيّة المتلقّي، وليس في وضعيّة المبادر، والدليل أنّ مجلس الوزراء يتحدّث منذ أشهر عن خطّة خاصة بالنازحين لم يظهر منها على السطح سوى بعض الإجراءات على الحدود، سرعان ما فقدَت وهجَها بفعل المزايدات السياسيّة، حتى إنّ البعض وصَفها بـ»العنصريّة».

يتكرّر الحديث مع كاغ عن ضرورة تنظيم النزوح، لأن لا قدرة على الاستيعاب، ولا إمكانيّة، لكن ما العمل؟ أين الخطّة؟ فلا وجود لها، ولا أثر، لأنّ لبنان الدويلات والسناجق لا يمكنه إنتاج خطة وطنيّة لمواجهة التغيير الديموغرافي الذي يصيب مجتمعَه.

دولة تُدارُ بـ 24 رأس ليست بدولة، إنّها جماعات، وتجمّعات، وسناجق، ومربّعات مقفَلة، لا هي متّحدة في إطار فيدرالي، ولا هي مقسَّمة بفرمان خارجي صادر عن «المجموعة الدوليّة لدعم لبنان».

يمكن لمجلس الـ 24 رأس أن يزايد في المناسبات الوطنيّة الحزينة كما حدثَ في عرسال، أو أن يلهيَ اللبنانيين بـ»مسرحية» الأمن الغذائي، والصحّي والعقاري، والإداري، لكن لا يستطيع أن يتبنّى خطة وطنيّة جريئة لمحاربة الفساد، لأنّ الغالبيّة موصوفة ومغمورة حتى الرأس.

تحاولُ كاغ أن تستكمل جولتَها التعارفية على «الولاة»، حكّام السناجق، ولكن عبثاً أن تحظى بتصوّر وطني واضح مشترَك يقارب تحدّيات الحاضر والمستقبل يمكن الاعتماد عليه في وطنٍ رأسُه مقطوع، وفي دولة يحاول بعض مَن فيها أن يتلاعبَ بصلاحيات الرئاسة الأولى مقدّماً نفسَه على أنّه خير وكيل عن الأصيل. لا أحدَ يتحدّث اليوم عن مزاريب الهدر المالي، لأنّ مزاريب الهدر الأمني فاقت كلّ تصوّر، تهدأ في عرسال فتشتعل في نقطة أخرى أو منطقة أخرى على الحدود.

تنجح الخطة الأمنية في مكان، فيبرز مَن يتولّى هدرَ دمِها في مكان آخر. كان الاهتمام منصَبّاً على معالجة المخيّم الإرهابي في سجن رومية، فانتقلَ الاهتمام إلى مخيّم عين الحلوة الذي تحوَّلَ بعضُه ملجَأً للفارّين من وجه العدالة، وغرفة عمليّات.

كان الجيش ينزف دماً ويُحقّق نصراً في جرود عرسال عندما وصلَ الوالي على السنجق الفلسطيني في لبنان عزّام الأحمد. جاء يراوغ ويناور، لم يتبَلّغ «رسميّاً» مِن قبل بوجود مطلوبين في مخيّم عين الحلوة، وعندما حاصرَته الأدلّة والإثباتات، قال إنّ المهمّة متروكة لهِمّة مَن في المخيّم من قبضايات ونافذين.

وفي تقرير لإحدى المحطات التلفزيونيّة، يطلّ بعض مَن في المخيم لينتقد الخطة الأمنيّة، ويهزَأ من الدولة، ويتحدّى وزير الداخليّة، «كلّنا مطلوبون هنا، فليتفضّل ويعتقلنا». في دولة «كِل مِن إيدو إلو» يحقّ لعزّام الأحمد ولغيره أن يُحدّد ما هو معقول ومقبول، وما هو غير مقبول.

لقد اكتشف الداء، وراح يستثمر في معاناته. يعرف أنّ الطبقة السياسيّة بغالبيتها تعمل بوحي الشعار القائل «حايدي عن ضهري… بسيطة»، ويعرف أنّ لبنان السناجق والمربّعات لا يمكنه أن يبادر، فالمبادرة تحتاج إلى وحدة وطنية، وهذه هي الغائب الأكبر.

جاءت كاغ، ورسالتُها المساعدة على ترسيخ الاستقرار، وجاء الأحمد تحت عنوان الحِرص على الاستقرار، خصوصاً في المخيّم، فيما تأتي غالبية الموفدين للاستثمار في المعاناة، مستفيدةً من مهارة اللبنانيين في تشريع الأبواب أمام الضيوف طمَعاً بالهديّة، فأيّ هديّة قدَّمَها التحالف الدولي للجيش الذي يحارب الإرهاب نيابةً عنه؟.