لم يعد من المُستغرب أن تنتشر صورة من مناسبات اجتماعية تضم ممثلين عن القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ في «كادر» واحد. «ورقة النوايا» انعكست إيجاباً على مُعظم قطاعات الحزبين، فبات مسؤولو الفريقين يُنسقون ويلتقون دورياً مُتباهين بالأمر. «الإنجاز» الجديد الذي يُعول عليه الطرفان هو التوصل إلى اتفاق على مشروع قانون للانتخابات النيابية
رجال قواتيون وعونيون في بلدة القاع ــ البقاع الشمالي جمعتهم البيرة والنرجيلة بعد أن فرقتهم السياسة لسنوات طويلة. التقوا لـ«إنماء القاع بعد بدء سريان «ورقة النوايا» بين الحزبين، ودائماً على قاعدة القاع للجميع»، كما كتب مسؤول التيار في المنطقة جورج مطر على «فايسبوك».
هذه ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها ممثلون عن الطرفين، فمنذ توقيع «ورقة النوايا» واللقاءات بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية تتوالى. مرحلة ثانية من التواصل ترسخت بين اثنين من أبرز «أعداء» الحرب الأهلية. الأمور لن تنحصر بصورة ولحمة مشوية و«كاس عرق» يجمع بينهما. فوفقاً لمعلومات «قواتية ــ عونية»، يستعد الاثنان لـ«إعداد مشروع قانون للانتخابات النيابية سيكون أهم إنجاز مُشترك حتى الآن، حتى أهم من ورقة النوايا». كذلك إن «مرحلة جديدة تشارك في إعدادها جميع القطاعات ستبدأ ملامحها بالظهور في شهر أيلول، وستكون لمصلحة المسيحيين».
لا شيء يُعكر التنسيق، فطيّ صفحة الماضي أصبح من المسلمات
الاتصالات الأنشط هي على خط قطاعَي الطلاب والشباب في «القوات والتيار»، خاصة بعد الخلوة التي نظماها في بيت عنيا ــ حريصا أواخر حزيران الماضي، «وإذا تمكنا من تطويره، فلا مُشكلة لدينا»، يقول مسؤول الطلاب في القوات جاد دميان.
القصة بالنسبة إلى «الشباب» ليست قصة ورقة، «هناك مبادئ نؤمن بها، ولكن في النهاية لا بدّ أن يحكم منطق الدولة وأن ينتصر الحوار. الناس يتطلعون إلى الأمام». الاختلاف موجود «ولكن نحن ننقل العلاقة من الصراع إلى التنافس الإيجابي». أهمية هذه اللقاءات، «رغم أننا غير مُعتادين هذه الصورة والطريقة»، هي في أنها «تريح الأرضيتين، خاصة أنه في محطات كثيرة هناك تداخل بين القوات والتيار»، يضيف دميان.
موائد الغداء والعشاء بين الفريقين أصبحت «دائمة». ما إن يُغادر مسؤول جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي عشاءً لأحد القطاعات، حتى يتصل به «شريكه» النائب إبراهيم كنعان، مُذكراً إياه بعشاء يُنظمه قطاع مُشترك آخر.
في بلدة عماطور (الشوف) مثلاً، التقى القواتيون والعونيون للمرّة الأولى في عيد انتقال السيدة العذراء. قبل هذا التقارب، «ما كانوا يسلّموا على بعض». تنطلق مصادر معراب من هذه الحادثة لتذكر «توق أبناء البيت الواحد للقاء، ورقة النوايا كانت الشعلة التي سهلت الأمر».
اللقاءات ليست محصورة داخل الأراضي اللبنانية، بلدان الانتشار أيضاً شاهدة على هذا «التزاوج» الجديد. وزير الخارجية جبران باسيل والنائب فادي كرم «ما تركوا بعض» في كندا، حين تزامنت زيارتاهما. الجالية اللبنانية «بمختلف انتماءاتها السياسية والدينية كانت حاضرة وكان الارتياح سمة اللقاء». قصائد الزجل والفولكلور اللبناني جمعت أنصار الحزبين في باريس وبروكسل «ومُعظم العواصم الأوروبية. هناك ارتياح كامل ونشاطات مُشتركة بينهما». مثالٌ آخر يحضر في أوستراليا «حيث تبث محطتان إذاعيتان، واحدة قواتية والثانية توجهها عوني، التعاون بينهما حالياً… يا لطيف!».
«هناك شيء من الوعي لاحتضان هذا الاتفاق»، تقول المستشارة الإعلامية لرئيس «القوات» أنطوانيت جعجع. على الرغم من وجود بعض الآراء التي تتمنى تكرار تجربة 23 كانون الثاني 2007 يوم أجهضت القوات تحرك «المعارضة»، بحسب ما عبّر مسؤول مصلحة الطلاب السابق في القوات نديم يزبك، مؤيداً ايضاً رأي «صديق افتراضي» بتكرار مجزرة 7 تموز (1980، في الصفرا التي ارتكبتها قوات بشير الجميّل بحق الأحرار)، إلا أن «لا شيء يُعكّر هذا التنسيق، فطيّ صفحة الماضي أصبح من المُسلّمات. خلص لم يعد هناك قلق»، تؤكد جعجع. «الرفيقة أنطوانيت» التي تُعدّ من أبرز الداعمين للتقارب القواتي ــ العوني تبدو نبرتها حازمة وهي تقول: «وين فينا ننسق رح نسق، في مصلحة الطلاب أو النقابات أو أي قطاع ماشيين دغري». يبقى هناك بعض النقاط الخلافية «ولكن ما بتصدقي كيف ميسّرة الأمور». اللافت في التواصل أن اللقاءات التي تحصل لم تعد بحاجة إلى موافقة مُسبقة من مركزَي القيادة، فـ«لم يعد هناك موانع. الاتجاهات العامة من الحكيم (سمير جعجع) هي في الانفتاح والتواصل، وما اللقاءات إلا تحصيل حاصل».
مصادر معراب تقول ممازحة: «وثيقة النوايا عمرها شهران، همنا الأساسي أن تكبر وتنمو. أطلقنا عليها اسماً أنثوياً تا تجيب ولاد».
تسعى القوات اللبنانية جاهدة للتأكيد يوماً بعد آخر أن الأمور مع التيار الوطني الحرّ «تمام». لا يُفوتون مناسبة لتعزيز هذه القناعة، أما آخر «نهفات» «أبو بكر الرياشي»، كما سمّى ملحم رياشي نفسه، فهي وضع كلمات أغنية تتحدث عن «إعلان النوايا» سيُغنيها زين العمر: «كنت وكان عايش معي خيّي بنفس العمر والأوضة نفس الهمّ والحب والأصحاب منلحق الطرقات إيدي بإيدو منقطف شجر من هون وفوق التخت صورة بشير وسمير وعون».