وسط ضعف التمويل الدولي المخصص لتلبية حاجات نازحين فاق عددهم 40% من سكان لبنان وعجز الدولة عن تأمين البدائل في ظل عجز المالية العامة وارتفاع الدين العام وغياب السياسة السكانية، أي إشكالية أمام القطاع الخاص الساعي نحو المسؤولية الاجتماعية؟
مع بدء السنة السادسة للأزمة السورية وتداعياتها على البلدان المجاورة وتحديدا لبنان، انطلق البحث في إمكانية الاستجابة لـ «مؤتمر هلسنكي حول دعم السوريين والمنطقة» الذي استضافته الحكومة الفنلندية، وأطلق الخطة الإقليمية للنازحين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمة للعامين 2017-2018 بهدف مساعدة 4.7 مليون نازح سوري، و 4.4 مليون من سكان المجتمعات المضيفة لهم في الاردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر.
حاجات التمويل
تحدّد الخطة الجديدة لمواجهة أزمة النزوح السوري 2.62 مليار دولار مخصصة لحماية ومساعدة النازحين، و 2.07 مليار دولار مخصصة لدعم المجتمعات المضيفة والاستثمار فيها.
وكان إجمالي التمويل الذي تمكنت خطة العام 2016 من جمعه 2.54 مليار دولار حتى 30 تشرين الثاني، أي ما يعادل ٥٦% فقط من النداء الذي وجهته بداية العام. وتشمل الخطة الدول الخمس الإقليمية وتضم أكثر من 240 شريكاً يتوزعون بين حكومات ومنظمات أمم متحدة ومنظمات مجتمع مدني ومانحين ومؤسسات في القطاع الخاص.
يحوز لبنان الحصة الأكبر من التمويل المطلوب بمبلغ يقارب الملياري دولار تنقسم بين مليار و131 مليون دولار مخصصة للمساعدات الإنسانية للاجئين و903 آلاف دولار مخصصة لتمكين المجتمعات المضيفة. وتستهدف الأموال المطلوبة عدة مجالات هي: الحماية، الأمن الغذائي، التعليم، الصحة، الحاجات الأساسية، السكن، المياه والصرف الصحي.
وأكثر تحديدا وفق أرقام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ان حاجة لبنان لتغطية كلفة النزوح أكبر من ذلك بكثير وهي تفوق المليارين و480 مليون دولار، وذلك وفقاً للخطة التي وضعتها الدولة اللبنانية، علماً ان المساعدات التي وصلت الى لبنان منذ العام 2015 تغطي نحو 50 في المئة من الحاجة المطلوبة.
على صعيد الحماية، يحتاج لبنان إلى 188 مليون دولار من أصل 649 مليون دولار مخصصة إقليمياً لهذا الهدف. أما في ما يتعلق بالأمن الغذائي، فهناك حاجة إلى 407 ملايين دولار عام 2017، بعدما تبيّن عام 2016 أن ٧% فقط من أسر اللاجئين تتمتع بأمن غذائي، مقارنة بـ ١١% عام 2015.
وتطالب خطة مواجهة الأزمة بمساعدات لكل القطاعات، على أساس ان 36% من الاموال المطلوبة ستعود الى المجتمع المضيف اي لبنان، وتتوزّع على الوزارات المعنية مثل الطاقة، الصرف الصحي، المستشفيات، التعليم…. أما النسبة المتبقية فتستهدف الخدمات الانسانية لمليوني شخص يقيمون في لبنان، نصفهم من اللبنانيين الاكثر فقراً، والنصف الثاني من النازحين.
المؤشرات التنموية
أفاد تقرير للأمم المتحدة انه لم يصل عدد النازحين في أي بلد الى ثلث السكان كما هو الحال في لبنان، وذلك منذ أحداث رواندا في تموز 2013. ويبدو تأثير الأزمة السورية على لبنان من خلال جميع المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية التي تعكس التنمية المستدامة في تقرير الإسكوا (الناتج المحلي الإجمالي، والمالية العامة، والتجارة الخارجية، والبطالة، والفقر، والوصول إلى الخدمات التعليم والصحة..)
ويقسّم التقرير النازحين السوريين إلى 3 فئات إقتصادية: الفئة الأولى هي يد عاملة غير نظامية تعمل في قطاعات نظامية من دون أي تغطية وتأمينات (مثل العمال السوريين في مزارع ومصانع ومتاجر ومطاعم …) بشكل شبه يومي وغير ثابت وغير منظّم وغير مطابق لنفس المهام التي يقوم بها اللبنانيون…مما يخلق فرقا في كلفة اليد العاملة ويشجّع على استبدالها من قبل أصحاب العمل باليد العاملة السورية غير الخاضعة للنظم والتكاليف المنبثقة.
الفئة الثانية تضم الحرفيين الذين فتحوا مؤسسات صغيرة (مثل محلات الخضار والأفران والسناك..) ويشكلون عنصر مزاحمة على الفئات ذات الأعمال المشابهة لهم من اللبنانيين…وهذه الفئة تشكّل أثرا مضاعفا على الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي لأنها تزاحم بالمباشر أصحاب المؤسسات اللبنانية فتخلق عملا شبيها لأعمال لبنانيين دون الحاجة للتوظّف لديهم لا بل تخلق وظائف جديدة لأفرادها وأسواقا موازية للأسواق اللبنانية.
الفئة الثالثة الثرية والمتمكّنة منقسمة بين المستثمرين والتجار الذين تمكّنوا من الاستمرار في عملهم وهم يلعبون دورا إقتصاديا وماليا في لبنان أو من خلال لبنان نحو الخارج حيث تنتشر أعمالهم، والمتموّلون الذين يتحوّلون نحو الريع العقاري ويساهمون في ارتفاع الأسعار التي استفادت أيضا من استقرار وهدوء الوضع السياسي والسعي لعودة المستثمرين العرب على اختلاف بلدانهم للمشاركة في مشاريع البناء وحركة البيع والشراء للأراضي والمساكن بما يزيد عن حاجات السكن ليلامس المضاربة بالأسعار.
على خط مواز، أعلنت الأمم المتحدة، أن 71% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان حاليا يعيشون تحت خط الفقر، ووصفت ظروفهم المعيشية والاجتماعية بـ»الخطيرة في أحسن الأحوال». النازحون السوريون الفقراء اختلطوا بين اللبنانين الفقراء علما أن 8 % من سكان لبنان يعانون الفقر المدقع، و28،5 % يعيشون تحت خط الفقر.
منذ العام 2014، تضاعف عدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 2،4 دولار يوميا إلى 1،2 مليون نسمة مما يعني أن ما يقدر بـ 300،000 لبناني، وأكثر من 70% من النازحين السوريين يغرقون أكثر فأكثر في دوامة خانقة بين العجز المالي والديون.
في الاطار نفسه، كشف البنك الدولي في «الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا« في نهاية العام 2016 أن الخسائر المباشرة التي تكبدها لبنان من جراء النزوح السوري اليه تراوحت ما بين 12 و13 مليار دولار.
خيارات الاقتصاد
وسط تراجع مختلف مؤشرات التنمية الاقتصادية في لبنان جراء تفاقم الأزمة في سوريا وتزايد الحاجات التمويلية للنازحين الموجودين في لبنان، ووسط الأوضاع الضاغطة للمالية العامة في لبنان، وضعف كفاية الدعم الدولي لتغطية التمويل المطلوب، لا يبقى سوى تدخّل القطاع الخاص للمساهمة في حل الأزمة من خلال جملة برامج تندرج في إطار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات.
بما أن القطاع المصرفي تحديدا هو أول وأكثر القطاعات المنخرطة في عملية إدراج مبادئ المسؤولية الاجتماعية في صلب استراتيجياته وخطط عمله، تبدو كلمة الفصل الأساسية في ملعبه.
وقد بدأت بعض المصارف في إصدار بطاقات مصرفية الكترونية بسقف محدد لمساعدة تأمين الحاجات الغذائية الأساسية للمواطنين وتتكاثر الاقتراحات لمشاريع وخدمات أخرى تصب في هذا الاتجاه من باب المساعدة المباشرة للنازحين. فيما تتولّى مؤسسات ومنظمات غير حكومية تأمين مساكن مستأجرة لبعض العائلات القادرة على الانخراط في النسيج اللبناني وتأمين الخدمات من تعليم وطبابة وغيرها خارج إطار المخيمات…
يبقى المطلوب حسن التوفيق بين توجيه جزء من تمويل القطاع الخاص نحو النازحين على حساب المشاريع التنموية الملحة والمساهمة في التنمية الاقتصادية الاجتماعية المطلوبة لجميع السكان من لبنانيين وغير لبنانيين دون فصل حاجاتهم وأوضاعهم وإمكانياتهم بعضها عن بعض.