اهتزت كثيرا علاقة معراب وعين التينة على خلفية الحوار الرئاسي. فحزب “القوات” متشدد رئاسيا في مسائل رفض الحوار وترؤس الجلسات، وهذا ما عرّض علاقته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتكاسة قوية في الفترة الأخيرة. والمفارقة ان ما يجري بين عين التينة ومعراب قابله ستاتيكو تهدئة حل فجأة بين رئيس المجلس و “التيار الوطني الحر” بعد فترة طويلة من الاختلاف السياسي.
ويتوقف المراقبون عند مناوشات حصلت مؤخرا ورسائل عابرة بسبب المقاربة السياسية المختلفة، اكدت ان تلاقي معراب – عين التينة وتفاهمهما رئاسيا بات مستحيلا، بعد ان اضحت “القوات” في الطرف المعارض دائما لخيارات عين التينة.
فالعلاقة المميزة بين معراب وعين التينة، التي شكلت نموذجا يحتذى به في العلاقة السياسية بين محورين متناقضين، إذ كانت تجمع في الوقت نفسه بين المودة والخصوصية السياسية، لكن تلك العلاقة اختفت تقريبا وبدأت التباينات تظهر بين الجهتين.
لا يتوقع كثيرون انقطاعا تاما او تدهورا دراماتيكيا لمسار العلاقة، فالتباينات الحالية على حدتها، لن تؤدي الى انقطاع “الود” الخاص بالكامل. ويذكّر المتابعون أن بداية التقارب بين الطرفين تعود الى مرحلة خروج جعجع من سجن وزارة الدفاع، حيث كان الرئيس بري من “المسهلين” لإقرار العفو العام عنه، مما رتب علاقة مستقرة لسنوات لم تحصل فيها مواجهات قاسية، على الرغم من الاختلاف وعدم تصويت نواب “الجمهورية القوية” لبري في الدورات الانتخابية، ومع ذلك لم تغلق عين التينة أبوابها قط في وجه معراب.
يمكن وصف ما يجري انه عبارة عن “هبات باردة وساخنة”، فالمشكلة بالأساس “رئاسية” بينهما حيال مفهوم الجلسات الانتخابية والحوار. من وجهة نظر عين التينة، الرئاسة لا يحركها إلا طاولة الحوار، ويتطلع بري الى تطبيق الآليات الدستورية. بالمقابل، تصف “القوات” الحوار بالعمل الاستعراضي غير الدستوري حيث لا جدوى منه، وتتهم بري بتعطيل جلسات التشريع بالدعوة الى الحوار والجلسة الواحدة بدورات متتالية تنتهي بالتأجيل مع تعذر انتخاب رئيس.
لقاء معراب المعارض قبل أشهر ساهم في زيادة الشرخ، حيث اعتبرت عين التينة انه يعزز الانقسام السياسي في البلاد. ومن المعروف ان التباين السياسي بين بري وجعجع عميق في مقاربة المسائل الاستراتيجية في ما يتعلق بالوضع الجنوبي وتطبيق القرار ١٧٠١، اذ تعتبر عين التينة ان ممارسة الضغوط على المقاومة في منتصف المعركة الجارية أمر خطر جدا، ولا يروق عين التينة الرغبة “القواتية” او السعي الى الفيدرالية وإجهاض الحوار.
“ستاتيكو” التناقضات بين معراب وعين التينة يبدو خارج سياق التقارب الجديد بين الرئيس بري والنائب جبران باسيل، الذي لا يمكن معرفة آفاقه ومداه واذا كان سيتوسع الى تعاون في المستقبل في الاستحقاقات الرئاسية والنيابية، فهذا المسار الجديد سيترك تداعيات على علاقة بري و “القوات”، إلا إذا كان ما يحصل بين عين التينة ومعراب اليوم مجرد تباين ظرفي وتسجيل نقاط، على اعتبار ان الاثنين محكومان بالتلاقي والعودة الى التفاهمات الماضية.
ف “القوات” لديها حيثية مسيحية وتمثيلية واسعة لا يمكن تخطيها، تقول مصادرمقربة من “القوات”، اذا تعثرت تفاهمات بري وباسيل، وبالمقابل لا يمكن لـ “القوات” في خضم مواجهته المفتوحة مع حزب الله، ان يوسع دائرة خصوماته ويعادي الطرف الثاني من “الثنائي الشيعي”، والجميع يعلم الدور الذي يؤديه الرئيس بري في التوازنات السياسية.
وفي هذا السياق، توقفت مصادر سياسية عند نقطة أساسية، وهي ان بري يرفض الدعوة لحوار بمن حضر، بمعنى آخر لا يريد انجاز الاستحقاق الرئاسي بغياب مكون مسيحي فاعل، لاعطائه البعد الوطني الشامل، على الرغم من ان تكتل “لبنان القوي” يمكن ان يؤمن الميثاقية ويسير بآلية معينة بغياب “القوات”. موقف بري الذي يفهم منه عدم قطع الجسور نهائيا مع “القوات”، استدعى كما تقول مصادر سياسية تهدئة والتزام “قواتي” بالتهدئة مع عين التينة.