كان من المفترض أن تكون بداية العهد الرئاسي الجديد «الجامع»، انطلاقة لعلاقة جديدة بين التيار الوطني الحر وتيار المردة. إلا أنّ تعنتهما ورفضهما إقفال صفحة التقاتل الإعلامي يمنعانهما من ذلك. لا جهود جدية يقومان بها، حتى الساعة، لتسوية الخلاف، رغم تأكيدهما أنّه ليس شخصياً
بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، أصبح العماد ميشال عون «براء» من تحالفاته السابقة، على اعتبار أنّه «بيّ الكلّ» وحليفٌ لجميع القوى السياسية. هذا الوضع لا ينسحب على التيار الوطني الحر الذي أسّسه عون، والذي لم يعتد الرأي العام والقوى السياسية بعد الفصل بينهما.
فالأولوية التي يتصرّف وفقها «التيار» اليوم هي التزام «الاتفاق على المبادئ وليس الحصص» ــ على حد وصف مصادر تكتل التغيير والإصلاح ــ مع القوات اللبنانية. في اجتماعات «التكتل»، يتحدّث رئيس الحزب الوزير جبران باسيل عن أهمية العلاقة مع قيادة معراب وعن أنّ هذا التحالف سيدوم إلى ما بعد سنوات العهد الستة، قاطعاً الطريق أمام كلّ من يحاول أن «يفتن» بينهما. وفي الأداء، يظهر باسيل في المفاوضات التي يخوضها لتشكيل حكومة الرئيس المُكلّف سعد الحريري وكأنه حارس القوات الذي لا ينعس قبل أن تتأمن حقوق هذا الحزب، الذي كان أحد المساهمين في انتخاب عون رئيساً.
انتبه «التيار» إلى «خيّه» القوات اللبنانية (كما تقول أغنية «أوعا خَيّك» التي أُطلقت عقب إعلان النيّات بين الحزبين)، ولكنه نسي أنّ له «أخاً» آخر وحليفاً استراتيجياً هو تيار المردة، الذي تدعو القوات إلى عزله خارج الحكومة هو وحزب الكتائب من باب نظرية «معارضة وموالاة». عدم الودّ بين الحليفين ليس بجديد، يعود إلى يوم غاب الانسجام عن علاقة رئيس المردة النائب سليمان فرنجية وباسيل. «تشخصن» الخلاف وبات الطرفان يتصرف أحدهما مع الآخر وكأنهما عدوّان. ليس الأمر «افتراءً إعلامياً»، يكفي الإنصات إلى أحاديث الجمهورين وعددٍ من المسؤولين لتبيان ذلك.
أخطأ فرنجية حين قرّر عدم مراعاة الخط السياسي الذي ينتمي إليه و«إحراج» فريق 8 آذار حين قَبل بـ«عرض» الحريري ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية. وهو بالتأكيد لم يُحسن بعدها قيادة معركته إعلامياً، بصرف النظر عمّا إن كان ذلك يتعلق بشخصيته أو بسبب بعض المستشارين حوله. إلا أنّه على الأقل ظلّ ثابتاً على قناعة أنّ عون ينتمي إلى الفريق السياسي نفسه، «وانتخابه هو انتصار لهذا الخط». ونائب زغرتا هو كما وصفه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، «الحليف الشريف»، الذي كان يملك «فرصة ذهبية للوصول الى بعبدا ورغم ذلك التزم معنا، وقال لنا لن أذهب إلى جلسة الانتخاب حتى لو كنت أنا الرئيس ما لم تكن كتلة حزب الله مشاركة فيها». قد لا يُعتبر هذا الموقف من فرنجية «سلفة» للتيار الوطني الحر، ولكنه مساهمة ولو غير مباشرة في انتخاب عون. فرئيس المردة رفض حتى أن يحضر بصورة شكلية إلى المجلس النيابي قبل تيقنه من أن عون سيصبح رئيساً للجمهورية. صحيح أنه لم يترأس كتلته إلى الاستشارات النيابية في بعبدا، لكنه صرّح عن استعداده لزيارة القصر الجمهوري إذا طلبه رئيس الجمهورية. وهو، حتى الساعة، لم يلقَ جواباً.
بين التيار الوطني الحر وتيار المردة لا يوجد حالياً مساعٍ لإعادة ترتيب الأمور وإحياء التحالف. لا تنحصر الأسباب بخطوات سياسية ناقصة. الموضوع يتشعب ليصل إلى أصل العلاقة التي تربط موارنة جبل لبنان بموارنة الشمال، والصراع الخفي بينهما.
اللغط الذي حصل هو حين اعتبر من يفاوض أن وزير المردة سيكون من حصة التكتل
تبدأ مصادر في تيار المردة حديثها بالتذكير بمراحل الحوار بين القوات والمردة، حين قرّرت معراب بدء حوار مع المردة لدعم ترشيح فرنجية إلى الرئاسة، لأنّ عون كان مرشحاً جدياً، قبل أن تنقلب على خيارها. فعدما حظي ابن زغرتا بدعم الحريري لترتفع حظوظه، لجأ جعجع إلى دعم عون. «رفض المردة شروط القوات التي عاد التيار ليوافق عليها». النقطة الثانية التي يتحفظ عليها المردة هي أنّ «العونيين لم يقيموا اعتباراً لخطنا السياسي». في إشارة منهم إلى ما تحدّث عنه نصر الله الذي «أوصى» برئيس المجلس النيابي نبيه بري «ووجه تحية إلى فرنجية»، معتبرين أنّ ذلك كان يجب أن يكون كافياً ليُبدل العونيون من أدائهم في ما خص التفاوض الحكومي. وفي هذا الإطار، يندرج طلب المردة الحصول على حقيبة وزارية «ترضيه وتخدمه، وإلا… فلن يُشارك في الحكومة، وحينها سيُقاطع بري، ما يعني أنّ حزب الله لن يُشارك أيضاً». وهنا تقع مسؤولية التيار الوطني الحر في الوقوف على خاطر الحلفاء.
التحفظ الذي تُسجله مصادر المردة على العونيين هو «التصرف على اعتبار أنّ جعجع هو الشريك الوحيد للعهد». نيّات رئيس القوات ليست «بريئة» بالقدر التي يريد لها أن تظهر. هدفه أن «يُنتخب رئيساً للجمهورية بعد عون. لهذه الغاية يريد أن يحصل على وزارة الدفاع من أجل أن يسوي علاقته بالمؤسسة العسكرية، فلا تكون خصمه في معركته الانتخابية الرئاسية».
على الرغم من كلّ «العتب» الزغرتاوي على التيار الوطني الحر، «الأمور تُسوّى بمجرد أن يتلقى سليمان فرنجية اتصالاً من القصر الجمهوري»، تؤكد مصادر المردة.
تجد «الروح الإيجابية» تجاه المردة موطئ قدم لها في صفوف التيار الوطني الحر، فتؤكد مصادر في تكتل التغيير والإصلاح أنّه «لا خلاف بالشخصي مع تيار المردة. مسؤوليتنا الانفتاح على الجميع». أما الخلافات والاختلافات «فهي جزء من الحياة الديموقراطية». ومثلما يجد «التيار» نفسه حريصاً على حقوق أكل الأطراف «نجد أنفسنا مؤتمنين على المردة». أمّا من يريد أن يُغيَّب، «فيكون هو قد غيّب نفسه».
لم يصل إلى مسامع المردة رفضٌ عوني لإعطائه حقيبة وزارية، «لدينا أجواء أنّ التيار قد لا يكون متحمساً كثيراً لتوزيرنا، ولكن لا يُمكن البناء عليها لكونها أحاديث غير مباشرة». توضح مصادر أخرى في التيار الوطني الحر أنّ «مكان المردة محفوظ في الحكومة». ولكن اللغط الذي حصل هو «حين اعتبر من يفاوض أن وزير المردة سيكون من حصة التكتل، فأوضحنا أنهم لم يعودوا جزءاً من التغيير والإصلاح». بشكل عام، «الموضوع ليس شخصياً. للمعركة الرئاسية ترسبات بحاجة إلى المزيد من الوقت والجهد حتى يُختم هذا الجرح».