IMLebanon

بين مُقبل وحزب الله جرود عرسال

لم تحجب التطورات السياسية الايجابية، التي شهدتها البلاد خلال الساعات الماضية ، من زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية الى الرابية والنتائج التي عاد بها الرئيس تمام سلام من الرياض، المخاوف والقلق العام المتصاعد من التدعيات التي سيرتبها التدهور العسكري المنتظر على جبهة جرود عرسال وانعكاسه على البلدة، التي اصبحت عمليا بيد الجيش الذي فصل بينها وبين مخيمات السوريين، وما هو ابعد عنها، على وقع التصعيد السياسي الذي يبرز جليا في المواقف الحامية على اختلافها.

فبحسب المعطيات التي يوفرها فريق 8 آذار يتبين ان الاخير قرر القفز فوق انقسامات الحكومة مطلقا معركة تحرير جرود عرسال، بعدما رسم خطاً فاصلاً بين البلدة وجرودها التي بدأ مواجهاته على تخومها، اذ بينت الوقائع العسكرية الميدانية، وكأنها تجاوزت اي مناقشات ممكنة لمجلس الوزراء، الذي كان شهد تباينات بين «8 آذار» و«14 آذار» حيال كيفية مقاربة هذا الملف الحساس، الذي جعله حزب الله في أولوية اجندته العسكرية، وسْط رفض «تيار المستقبل» جرّ للجيش الى المقلب اللبناني من معركة القلمون والتي وضعها في سياق الرغبة في «تنظيف القلمون من الثورة السورية لوصل منطقة حمص والقصير بمنطقة الزبداني، تمهيدا للالتقاء مع الساحل السوري، لأن نظرية الرئيس بشار الاسد أنه إذا لم يتمكن من حكم كل سوريا يمكنه أن يقيم دولة على الساحل»، وحيث تشدد مصادر المستقبل انه «لا يمكن أن تقام دولة علوية وعرسال قائمة، إلا إذا تطور هذا المشروع الى دولة شيعية في لبنان من الهرمل الى الجنوب ووصلها عبر القاع، فبالتالي تصبح عرسال عقبة كبيرة أمام مشروع الدولة الشيعية في حال أصبح التقسيم أمراً واقعاً في المنطقة».

ورجحت مصادر سياسية مطلعة ان ما جرى خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية في جرود عرسال لا يعدو كونه رسالة مزدوجة، للحكومة من جهة وللمجموعات المسلحة ومن يقف الى جانبها، بانه جدي في حسم هذا الملف، وانه يرفض اي تمييع او صفقة لتسوية او مخرج قد يتم تهريبها، وخاصة ايضاً مع وجود رئيس الحكومة في المملكة العربية السعودية، خاصة بعدما صدر كلام عن وزير الدفاع سمير مقبل حول إمكانية التوصّل الى تسوية تُرضي الجميع، كاشفة ان الايرانيين يحشدون في اماكن سورية ايضا بقصد تسجيل مواقف على الارض فيما يشبه السباق مع المفاوضات النووية المتباطئة مع الاميركيين، وان ما يخطط لجرود عرسال ليس منفصلا عما سبق، انما المطلوب تطهير الجرود قبل حلول شهر رمضان المبارك.

وتكشف المصادر ان الحزب طرح شرطان على المعنيين خلال المفاوضات، كفيلة وحدها بتجنيب المنطقة المعركة التي لا مفر منها، يقضي الاول بنشر الجيش في جرود عرسال كلها داخل الحدود اللبنانية وتفكيك البنية التحتية لهذه التنظيمات، ولا سيما منها مصانع تفخيخ السيارات وتصنيع المتفجرات وتحضير الانتحاريّين، والثاني تفكيك مخيمات النازحين في محيط البلدة وتوزيعها بنحو مدروس على مناطق اخرى، خصوصاً بعدما استعملت التنظيمات الارهابية هذا الواقع للمَزج بين الجرود وداخل البلدة، وهو ما وَرّط المنطقة في أحداث كثيرة وخطيرة أبرزها على الاطلاق الهجوم الذي تعرّض له الجيش اللبناني في آب الماضي، والذي أدّت فيه مخيمات النازحين دوراً أساسياً لجَعل الوضع متداخلاً.

مصادر عسكرية اكدت ان لجرود عرسال، التي تمتد الجرود من مدينة عرسال شمال لبنان، إلى الحدود السورية شرقاً، ومن عرسال جنوباً إلى اطراف جرود رأس بعلبك والقاع شمالاً، على مساحة تصل إلى نحو ثلاثمائة وخمسين كيلو متراً، اهمية استراتيجية بالنسبة لحزب الله، من موقعها عند الحدود السورية – اللبنانية، فالسيطرة على هذه الجرود تعني تضييق الخناق على المجموعات المسلحة، والحد من رقعة انتشارها، وتوسيع رقعة الأمان باتجاه الأراضي اللبنانية، للحد من استهداف «النصرة» للأراضي اللبنانية، إضافة إلى حصر المساحات التي تتحرك فيها المجموعات المسلحة، مشيرة الى ان الجيش يسيطر على نحو خمسين كيلو متراً من هذه الجرود، فيما تتوزع السيطرة على المناطق المتبقية بين «حزب الله» والمسلحين من «جبهة النصرة» و«داعش»، المتحصنين في التلال والوديان في المنطقة، حيث تتركز المعارك عند الأطراف الشرقية والجنوبية للجرود، عند بركة الفختة من جهة الشرق، وعند ضهر الهوا في الجهة الغربية الجنوبية، المشرفة على جرود يونين، وأيضاً عند وادي الخوخ، ووادي الديب، من جهة الجنوب، وتتغير خارطة السيطرة بشكل مستمر، ولاسيما مع تقدم مقاتلي «حزب الله» من جهة الجنوب والجنوب الشرقي، من محاور عدة، فيما يعد وادي عجرم وسهل ميرا في الجهة الشمالية الشرقية، نقطة التماس مع مسلحي «داعش».

وسط كل ذلك برزت الى السطح اشارتان لافتتان:

– ضبط بيان في منطقة الشمال يحرّض أهل السنّة على الجيش اللبناني، ويدعوهم لقتل كل عسكري غير سنّي يعترضهم.

– انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان «بيان انطلاق كتيبة الفاروق عمر في عرسال»، يظهر فيه 7 رجال ملثمين قالوا انهم من عرسال معلنين تشكيل «كتيبة الفاروق عمر» ردا على «تجييش حزب الشيطان وتسليح العشائر.. وسط الصمت اللبناني». وقال المتحدث الذي كان يقرأ على ورقة مكتوبة امامه: «نقول لأهلنا سنكون درعاً لهم ولن نسمح بدخول الحزب الى المدينة الا على أجسادنا». ودعا «أهلنا في طرابلس وصيدا وبيروت وغيرهم الى أن ينصروا أهل السنة بعد أن خذلهم الجميع».

عليه لم يعد من الصعب الاستنتاج بأن جلسة مجلس الوزراء اصبحت في عداد لزوم ما لا يلزم، مع تخطي الاحداث المواعيد، رغم اصرار وزير الدفاع على انكار اي تقدم للحزب بحسب ما ابلغته القيادة العسكرية في اليرزة.