انفخت الدفّ السوري بسرعة بين الروس والإيرانيين! وبدأت على استحياء حفلات الردح المتبادل، من طهران مباشرة على لسان قائد «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي جعفري، ومن موسكو مواربة من خلال إعلان «مفاجئ»، بأن بقاء الأسد ليس «أمراً حتمياً»!
لم يشأ الروس، على ما يبدو، الرد مباشرة على الاستهجان الإيراني لموقفهم الباحث عن مصالحهم و»ليس عن بقاء الأسد« على ما قال الجنرال جعفري. بل قالوا كلاماً يصيب في حسبانهم، أكثر من هدف في الوقت ذاته: يردّون على «مبدئية» تمسك نظام الولي الفقيه بالأسد بالقول إن موقفهم ليس كذلك! ويتركون أبواب التبادل مفتوحة بينهم وبين زوارهم ومفاوضيهم. ومن ضمن هؤلاء قادة عرب ومعارضون سوريون من خلال الإيحاء بانفتاحهم على البحث في مصير الطاغية الجالس في دمشق!
.. مع أن كل المشاركين في اجتماع فيينا الأخير، يقولون إن الموقف الروسي تطابق مع الموقف الإيراني في رفض أي بحث جدّي في مصير الأسد، أو الأخذ بمطالب الفريق العربي والإقليمي (التركي) والدولي، الخاصة بأي شأن يتصل بذلك المصير!
والواقع، أن إشارات التناقض كانت أسرع من انطلاق مرحلة الردح العلني بين الطرفين.. وأساسها هو ذاته الذي يمكن أن ينطبق على أي شأن ومجال، عام أو خاص، والقائل إن الانتصار له ألف أب فيما الهزيمة يتيمة! وقاصرٌ أو مهرجٌ، من ينكر أن الصخب الذي رافق الدخول الروسي على الحرب تلاشى بوتيرة أكثر سرعة حتى من توقعات الطرف الآخر! وأن تأثيرات الموجات الأولى لـ»عاصفة السوخوي» لا تكاد تُلحظ أو تبان في خرائط القتال والمواجهات، وخصوصاً في الريف الحلبي. في حين، آلت الأمور في المقابل، إلى إلغاء هوامش كثيرة كانت تفصل بين قوى المعارضة المسلحة، والى فتح الباب أمام وصول سلاح نوعي كان عزيزاً عليها طوال المرحلة الماضية.
وذلك وغيره كثير، لا يمكن إعطاؤه رتبة أقل من الهزيمة! حتى وإن كانت هذه «مرحلية«، طالما أن عاقلاً واحداً لا يمكنه الجزم بأي نهاية سعيدة وسريعة لهذه النكبة قبل خروج باراك أوباما من البيت الأبيض!
بمعنى آخر: استحكام العجز عن «معالجة» الحالة القائمة في وجه الأسد ولّد تظهيراً لمتناقضات كان يمكن طمرها تحت العنوان الجامع الخاص بإنقاذ ذلك الطاغية وبقايا سلطته.. وتلك متناقضات ليست بسيطة، أقله بالنسبة إلى الإيرانيين الذين سبقوا الروس في بناء حيثيتهم في سوريا (الأوسع مدى بكثير من القاعدة البحرية في طرطوس!) ودفعوا ما دفعوه في سبيل ذلك، قبل أن يتبيّن أن ذلك السبيل ليس سوى الهباء المنثور ذاته!
والغريب أن الجنرال الإيراني جعفري يأخذ على الروس أنهم يبحثون عن مصالحهم في سوريا! وكأن إيران لا تفعل ذلك أصلاً وأساساً! أو كأنها تقاتل دفاعاً عن الأسد باعتباره معطًى مقدساً قائماً في ذاته! أو أن سوريا هي أصل فارس! ومسقط رأس رستم! والمحجة الأخيرة للدين والمذهب! والجذر الماسيّ لمشروع الامبراطورية المشتهاة!
.. وكل ذلك، ولا تزال «عاصفة السوخوي» في شهرها الأول! ولم يبدأ العمل بعد، بعينّات محددة من الأسلحة النوعية التي وصلت بالفعل إلى بعض فصائل المعارضة المسلحة!