في خطاب لم يحمل للأسف سوى مزيد من التوتر والصراخ والتهديد والوعيد والعناد والمكابرة، أطل أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليبدّد الخيط الأبيض الأوحد الذي لطالما ترقب اللبنانيون تلمّسه من قيادة الحزب منهياً أدنى أمل بقرار وطني حر وشيك يتخذه لتحرير شبابه من القيود الإيرانية التي زجت بهم مخفورين في أتون النار السورية.. لا النداءات الوطنية ولا الرسائل المفتوحة تنفع أمام كلمة الحق التي قالها نصرالله بالأمس: «موازنة حزب الله ومصاريفه وتمويله وسلاحه من الجمهورية الإسلامية».
إن أردت أن تُطاع فسل المستطاع يا ميشال كيلو.. فقد جاءك الجواب واضحاً وسريعاً على رسالتك المفتوحة إلى السيد نصرالله ليؤكد لك ولعموم السوريين في سياق غير مباشر أنّ «حزب الله» كفاقد الشيء لا يعطيه، فهو مجرد فصيل عسكري قراره بيد طهران ولا يملك أن يغيّر فيه قيد أنملة ولذلك هو باقٍ في سوريا يَقتل ويُقتل حتى يقضي «المرشد» بانسحابه من هناك.. وحتى ذلك الحين سيبقى يكابر ويعضّ على الجراح ويعدّ القتلى ويستغرق في إحصاءات تتباهى في قتل أكبر عدد ممكن من السوريين المعارضين مقابل أعداد أقل من قتلى الحزب!
هكذا يوفّر عليك عناء السؤال في رسالتك: «أليس انسحابكم بقرار مستقل أفضل لكم من الانسحاب تطبيقاً لقرار إيراني أو روسي».. ويوفّر تالياً عليك وعلى السوريين عناء مجرد التفكير بإمكانية مبادرة «حزب الله» إلى قرار حر مستقلّ بالانسحاب من سوريا.. فجواب «القصة أكبر منا» الذي كنت قد تلقيته من السيّد في معرض تبريره «عدم التدخل لحل المعضلة السورية» في بداياتها لا يزال هو نفسه، وها هو بالأمس يعيده مرة أخرى مواربةً ليؤكد أنّ «القصة» لا تزال أكبر منه.. فكما لم يكن مأذوناً حينها بالدخول في وساطة لحل الأزمة الناشئة في سوريا هو اليوم ليس مأذوناً بالخروج من الحرب الناشبة فيها.
هذا عن الرسالة السورية المفتوحة.. أما عن الهجوم المتجدد على العرب ودول الخليج خصوصاً على خلفية قرار مملكة البحرين سحب الجنسية من الشيخ عيسى القاسم، فرسالة إيرانية مفتوحة من نوع آخر تجاهلها نصرالله بالأمس تلك الموجهة من محمد مهدوي فرّ أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني إلى قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني والتي ضمّنها انتقادات غير مسبوقة للأداء الإيراني العدواني تجاه العرب غداة تهديد سليماني بإشعال النار في البحرين.
رسالة الضابط الإيراني تكاد تكون أبلغ ردّ على فحوى هجوم نصرالله على البحرين والمملكة العربية السعودية حين قال لسليماني: «كل القضية هي أن حكومة البحرين أعلنت إسقاط الجنسية عن أحد مواطنيها المعارضين وقد ذكرتَ في بيانك بأنّ أي مساس بعيسى قاسم سوف يؤدي إلى ثورة مسلحة وإسقاط النظام بالبحرين (…) لكن حينما قررت السلطات في إيران عام 2009 فرض الإقامة الجبرية على مرشح الرئاسة الإيرانية مير حسين موسوي الذي يحظى بشعبية وبتأييد الملايين من الإيرانيين، هل أصدرت الشخصيات العسكرية في البحرين بياناً حول موسوي وهددت إيران بالحرب؟».
وأكثر، عن «مظلومية» الشعب البحريني التي يتباكى عليها نصرالله، جواب آخر في رسالة ضابط «الحرس» متوجهاً إلى سليماني: «لاحظتُ في بيانك أنك وصفت تعامل حاكم البحرين مع المعارضين والمحتجين بالقول إنّ الشعب البحريني الصابر لن يتحمّل الظلم والتمييز وانتهاك حقوقه العادلة والسجون والتعذيب، وأنا أدعوك لمشاهدة تعامل قوات البسيج والحرس الثوري والشرطة الإيرانية مع المحتجين الإيرانيين عام 2009».
خطاب الأمس، أكد المؤكد: «حزب الله» باقٍ باقٍ باقٍ في دوامة القتل والدمار والعدوانية الإيرانية.. حتى إشعار إيراني آخر!