من الطعون بنتائج الانتخابات النيابية المفترض تقديمها الى المجلس الدستوري اليوم، الى الطعون بمرسوم التجنيس المثير للجدل والارتياب غدا أو بعده، سيكون المرمح السياسي اللبناني حكرا على رجال القانون.
واذا كانت الطعون بنتائج الانتخابات حاصلة فعلا، فان الطعون بالمرسوم التجنيسي لا زالت ضمن دائرة الاحتمال، بسبب تعقيداتها القانونية التعجيزية الناجمة عن تجنيب المرسوم المذكور مشقة الوصول الى الجريدة الرسمية، عن نيّة مبيّتة، أو رأفة بمطبعجية الجريدة في هذا المناخ اللبناني المتقلّب…
لكن ما يؤكده العارفون، ان لعبة الطعون، مطلوبة، ومن جانب الجهات، التي تستهدفها، لاشغال اللبنانيين، باطلاق القنابل الدخانية الحاجبة للعراك الحقيقي، المرتقب على حلبة تشكيل الحكومة اعتبارا من اليوم.
وتنفيذا لهذا السيناريو، سيكون على الطعون الانتخابية المنتظر توافدها على المجلس الدستوري اليوم، اشغال اللبنانيين عن مرسوم التجنيس الخبيث، وتأمين طريق هذا الأخير الى الصيرورة والنفاذ، باعتباره أكثر ملحاحية واستعجالا.
ومن العوامل المساعدة على ذلك، ان صانعي المرسوم، مرّروه عبر الخط العسكري وبعيدا عن حاجز الجريدة الرسمية، ثم دعوا من جاهر بالاعتراض، الى مراجعة وزارة الداخلية الأمن العام بوصفها جهة الاختصاص، مع لفت الانتباه الى ان المرسوم افرادي ولاحق بالاطلاع على المعلومات بشأنه، إلاّ لصاحب العلاقة، وكأن صاحب العلاقة بحاجة للاطلاع على ملف مرسوم كلّفه غاليا من الجهد والعرق…
وكأننا أمام حالة جاحظية حديثة، فقد حلّ ضيف على مائدة أحد البخلاء، فرحّب به، وقدّم له الخبز والمرق، وقال له: كسر الخبز لا تأكل، وصحيح لا تكسر، وكُل واشبع!!.
وبالنسبة الى المعترضين على تجنيس من تمّ تجنيسهم خارج نطاق المزاج الوطني اللبناني العام، فقد نصحوا بمراجعة الداخلية، بحثا عن المستندات، مع تذكيرهم بالقانون الذي يحصر حق الاطلاع بصاحب العلاقة، وبعدئذ تقدّموا بالطعون.
بعض المدافعين عن العهد، وصفوا الحملة على المرسوم بأنها حملة ممنهجة على العهد، وان ما كتب اليوم كتب ما هو أفظع منه بمئات المرّات عام ١٩٩٤، ومع ذلك، فقد مرّت القافلة بعيدا عن ذاكرة اللبنانيين، الضعيفة أساسا.
لكن ما حصل يومها غطّته الوصاية في ذلك الحين، فهل من غطاء استعين به الآن؟
وفوق هذا، اذا كان ذلك فظيعا بأرقامه التجنيسية الفاجرة، فان فظاعة ما قد يحصل الآن، من ارتدادات لتجنيس بعض الهاربين من العقوبات الأميركية، على الهوية المصرفية والاقتصادية، للبنان، ربما كان أشدّ وأدهى.
وكأن اللبنانيين هربوا من تحت دلفة المادة ٤٩ من قانون الموازنة العامة، التي تبيح الاقامة في لبنان لمن يتملّك عقارا، ليجدوا أنفسهم تحت مزراب مراسيم التجنيس في دوائر النفوس، المتطلعين بشغف الى الحسابات المصرفية اللبنانية.
يقول الأديب الأميركي مارك توين: الانسان هو المخلوق الوحيد الذي يخجل، لأنه الوحيد الذي يفعل ما يُخجل…
وفي لبنان، يرى وزير العدل السابق د. ابراهيم النجار، ان السياسة فوق القانون، لكن المال فوق السياسة…
ومثل هذه العادة المتخلّفة، لا يمكن التخلّص منها، برميها من النافذة، كما يلقي المدخن بالسيجارة، بل علينا ان نجعلها تنزل الدرج، درجة درجة، كما يفترض ان تفعل قوانين الاصلاح ومكافحة الفساد الموعودة، عندئذ يكون الانتقال المطلوب من التجنيس الى التجليس، قد تحقق.