في حين تموج منطقتنا بالتطورات والتداعيات الناجمة عن الاتفاق النووي الإيراني، تعيش الدولة اللبنانية أو ما تبقى منها في عزلة كاملة عما يجري، وتغرق الطبقة السياسية في مباذلها اليومية محاولة العثور على مطمر آخر، «دولي» هذه المرة، ولو بتكلفة أعلى، للنفايات التي ثبت أنها تدر ذهباً.
كبار المسؤولين الأميركيين يجوبون المنطقة لطمأنة حلفاء واشنطن بعنوان إسرائيل، وبعدها يتوجهون إلى «الأصدقاء» بعنوان نقطة التقاطع العربية مع تل أبيب في الدوحة، ويلاقيهم إلى هذه الجزيرة التي تشترك في مياهها الإقليمية وفي مكامن الغاز مع إيران، وزير الخارجية الروسي.
… بينما وزير خارجية ايران يجوب المنطقة انطلاقاً من أقطار الخليج، الكويت وقطر، وصولاً إلى العراق، فإلى عواصم أخرى كما تشير مقالته المنشورة إلى جانب هذه الكلمات، في «السفير» اليوم، بعنوان «الجار قبل الدار»، لتهدئة خواطر القلقين وتطمين الخائفين (والسعودية بالذات) من هذا المنظور المؤثر الذي يكاد يشكل انقلاباً في التحالفات والمخاصمات الدولية القائمة.
ليس كثيراً على لبنان، بشخص طبقته السياسية، أن يفترض أن هذه التطورات لا قيمة لها، طالما انها لا تنتج رئيساً لجمهوريته، ولا تحل مشكلة النصاب في حكومة الأربعة والعشرين توقيعاً، ولا توفر مخرجاً لائقاً لأزمة التمديد لقائد الجيش ورئيس أركانه… ثم انها لن تؤمن السبعمئة مليون دولار التي تحتاجها الدولة لإدامة وجودها كدولة تفي بالتزاماتها الدولية وتسدد ديونها المتراكمة وتوفر «مصروف الجيب» لهذه الحكومة التي يتعذر استمرارها ويستحيل الاستغناء عنها، ولو مشلولة وبلا قدرة على القرار.
على هذا فلا قيمة لهذا الاتفاق النووي، الذي يكاد يغيّر خريطة التحالفات والمخاصمات والصراع على المستقبل، أقله في منطقتنا، طالما ان لبنان لن يقرأه ولن يقره ولن يسمح له بالمرور ولو وافقت عليه دول العالم أجمع. وحده لبنان لديه حق الفيتو، واسألوا قصر بسترس!