لم يكن مفاجئاً إعلان رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل استقالة كل من الوزيريْن سجعان قزي وألان حكيم من الحكومة، كما لم يأتِ هذا الإعلان كالصاعقة على من أصبح خبيراً أو حتى متابعاً عادياً لمواقفه السياسية التي توصف بالـ «إستعراضية» في كل مرة يشعر فيها أنه بحاجة إلى صدمة استعراضية تعيده إلى الواجهة الإعلامية.
نعم، استقالة الكتائب من الحكومة كانت آخر حلقة من مسلسل الـshow off الذي يتحفنا به سامي دائماً، علماً أنها ليست أكثر من قنبلة صوتية كما نُقِلَ عن الرئيس نبيه بري وصفه إياها.
فالاستقالة الخطية لم تُقدّم.. والوزيران ما يزالان يواظبان على النزول إلى مكاتبهما في الوزارة. وإن كان وارث رئاسة حزب الكتائب وعد بإتمام الإجراءات التنفيذية للاستقالة في الأيام المقبلة إن لم تقترن بتنفيذ مطالبه غير الواضحة حتى الآن!
استعراض الاستقالة ليس الأول لدى النائب سامي الجميّل، فالاستعراض يرافقه منذ بداياته.
ـ الاستعراض الأول: تأسيس حركة «لبناننا»
تولى الرئيس سامي الجميّل رئاسة مصلحة الشباب في الحركة الإصلاحية الكتائبية عام 2003. بعدها، انفصل عنها بعد خلاف مستحكم مع الوزير الشهيد بيار الجميّل وأسّس حركة بمفرده أسماها «لبناننا» عام 2005 ومنع أي فرد من جماعته الانتساب إلى حزب الكتائب، قبل أن يحلّها بعد استشهاد شقيقه ليعود مجدّداً إلى الحزب ويتولى قيادة مجلس الشباب والطلاب فيه عام 2007 ثم يصبح منسّقاً عاماً للّجنة المركزية عام 2008.
ـ الاستعراض الثاني: تقديم نصائح واقتراحات شفهية
عام 2009، انتُخب سامي نائباً عن أحد المقاعد المارونية الأربعة في قضاء المتن حيث عمل على مساءلة الحكومة شفهياً على المنبر، وكتابياً على الورق بواسطة الحبر خاصة في ما يتعلّق بالأشغال العشوائية وغير المنظمة على الطرقات العامة، كما تقدّم بـ21 اقتراح قانون بقيت حبراً على ورق.
ـ الاستعراض الثالث: منح الجيش اللبناني أجره عقب التمديد لنفسه
Show off جديد أتحفنا به سامي خلال ولايته النيابية الثانية الممدّدة تجسّد بالعمل الخيري قضى بمنح أجره الذي يتقاضاه من التمديد لنفسه في المجلس إلى الجيش اللبناني، لكن هذا العمل الإنساني عرفت من خلاله يده اليمنى ما تفعله يده اليسرى.
ولم ننسَ وعده بالنوم على درج المجلس النيابي لإقرار قانون انتخابي جديد، هذا طبعاً بعد تصويته على التمديد للمجلس، وبالطبع نام على سريره المريح.
ـ الاستعراض الرابع: إبتكار استراتيجية دفاعية منطقية
بالناضور والهيلكبتور أمّن سامي حماية تامّة للحدود. هذه النظرية الشهيرة لقيت ترحيباً وصدى لا مثيل له على مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت وما تزال نكتة الموسم!
ـ الاستعراض الخامس: انتخابه رئيساً للحزب.. بالتزكية
من المعروف أن النظام الانتخابي المعتمد من قبل حزب الكتائب هو نظام مندوبين، فالأقاليم والوحدات الحزبية والمصالح ينتخبون مندوبين وهؤلاء بدورهم يقومون بانتخاب رئيس للحزب.
كان عدد المندوبين يتجاوز الـ 400، لكن سامي قرّر نجاحهم قبيل حصول الانتخابات فكان فوزهم بالتزكية جميعهم من دون أي عملية انتخابية ومن دون أن يخطر على بال أي محازب طموح بالترشح ليكون مندوباً، ثم أخذ يجاهر بديموقراطية كرتونية لا تجد لها اي أساس عصري.
ـ الاستعراض السادس: وهم الناس بالتغيير
لم يغيّر سامي شيئاً منذ توليه رئاسة الحزب، فالماكنة اللنتخابية ورؤساء الأقاليم وكل شيء فيه بقي كما كان في زمن الرئيس أمين الجميّل.
عدا ذلك، جرى تعديل ومخالفة في الأنظمة بهدف الإتيان به رئيساً لدرجة أنه انتسب إلى الحزب وهو يبلغ من العمر 19 سنة. وبالعودة إلى قانون الجمعيات، ومن ضمن الشروط المفروضة في هذا القانون، يجب على طالب الانتساب أن يكون عمره 20 سنة وما فوق، كما أنه وفقاً للنظام العام للحزب يجب أن يكون عضواً في الحزب لمدة 15 سنة مما دفع مهندسي وراثته إلى إعطاء انتسابه مفعولاً رجعياً إلى العام 2000 مع أنه أقسم اليمين في العام 2007!
ـ الاستعراض السابع: إعلان عدم دخوله الحكومة إذا تضمن بيانها الوزاري تشريع المقاومة
أعلن سامي عدم دخوله الحكومة إذا تضمن البيان الوزاري بنداً يشرّع حق اللبنانيين والجيش بالمقاومة، مع العلم أن البند عاد وذُكر في البيان لكن لم يكن لوزراء الكتائب إلا التحفّط الشكلي عنه، حيث علّق الوزير سجعان قزي حينها بالقول: «لا نستطيع أن نقبل الفقرة المتعلقة بالعلاقة بين الدولة والمقاومة ولا نستطيع إلا رفض الصيغة الواردة في البيان الوزاري والتشديد على سلطة الدولة اللبنانية»، ثمّ دخل سامي الحكومة كأن شيئاً لم يكن.
ـ الاستعراض الثامن: اقتراحاته بموضوع النفايات
عندما عُرض حل طمر النفايات في المرة الأولى، عُرضت فكرة فصل المطمر عن المكب في برج حمود فوافق عليها سامي.
لكن ألم يكن في وسع الشيخ أن يعترض في المرة الثانية على القرار داخل الحكومة بدل الاستقالة خصوصاً أن التصويت يحتاج إلى إجماع بغياب رئيس للجمهورية؟ أو فضّل الاستقالة لتمرير القرار والتذرّع بحماية مبادئه؟
ـ الاستعراض التاسع: التناقض الواضح في مواقفه
برز تناقض واضح في موقف سامي بشأن موضوع رئاسة الجمهورية فكان من أول المطالبين برئيس قوي من بين الأقطاب المسيحيين الأربعة ومشجّعاً على وحدة المسيحيين.
لكن اللافت أنه عندما طُرح اسم اثنيْن من هؤلاء الأقطاب وهما رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون ورئيس تيار المرده سليمان فرنجية اعتبرهما من قوى 8 آذار وبدأ يطالب بمرشّح وسطي، إضافة الى العثور على الورقة التي تضمنت اسم الرئيس أمين الجميّل في صندوق اقتراع الانتخاب الأول في مجلس النواب وكان مرشح قوى 14 آذار رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع!
ـ الاستعراض العاشر: كل ناجح في الانتخابات هو مدعوم من الكتائب
بالغ سامي بفوزه في الانتخابات البلدية حتى وصل الأمر إلى حدّ فوز الكتائب بثلث المناطق اللبنانية. فكان كل فوز للائحة تتضمّن كتائبياً واحداً أو مدعومة من عائلات يؤيد اثنين منها أو ثلاثة على الأكثر حزب الكتائب، يُنسب إلى الكتائب.
الحقيقة هي أنّ سامي الجميّل يختلف كثيراً عن أخيه الشهيد بيار من ناحية الأفكار والمبادئ والتطلّعات والعلاقات وخاصة من ناحية الحضور على الأرض.
فسامي لم يستطع أن يكون فعالاً على الأرض كما أن كل محاولاته لبناء علاقات مع الأطراف الأخرى كالتيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل لم تنجح، على عكس الرئيس الشهيد بيار الجميّل الذي كان على علاقة جيّدة مع الجميع وكان اسمه مطروحاً لرئاسة الجمهورية.
كما أن سامي لم يعد يشكّل قاعدة شعبيّة كبيرة لدرجة أنه لم يعد يحتفل بعيد حزب الكتائب لعدم استطاعته تأمين 1000 انتساب جديد، في الوقت الذي كان الشهيد بيار يحشد في هذا العيد حوالى 5000 كتائبي فكانت أعلى نسبة انتساب إلى الحزب في عهده.
أما نقابياً، فيكفي إيراد ما حصل في نقابة المحامين في بيروت، فيوم تسلّم سامي رئاسة حزب الكتائب كان نقيب المحامين كتائبياً، إلا أنّ أول معركة خاضها سامي في النقابة التي ينتمي إليها لم ينجح فيها، إذ خسر مرشّح الكتائب لويس حنّا في ظل وجود نقيب محامين كتائبي.
فضلاً عن ذلك، برهن سامي أنه لا يستوعب الرأي الآخر بدليل أنه عمد إلى ابعاد واستصدار قرارات الطرد عند اللزوم بكتائبيين فقط لأنهم لم يكونوا من رأيه، رغم أنهم كانوا من الفعّالين جداً في زمن بيار الذي استوعب كل الكتائبيين حتى لو كان رأيه معارضاً لخطّه السياسي فكان يصغي دائماً للرأي الآخر.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الصناعة في أيام الشهيد بيار كانت من أنجح الوزارات، الأمر الذي لا نراه اليوم إن كان بالنسبة إلى وزارة العمل التي تُتّهم بأنها دكّان يقوم على السمسرة والعمولة، أو بالنسبة إلى الوزير ألان حكيم الذي لم يغيّر شيئاً في وزارة الاقتصاد والأغرب أنّ الوزير حكيم حلف يمين كتائبيّة قبل أسبوع من تعيينه وزيراً فقط لأنه صديق لسامي.
أما على صعيد الفن الخطابي يظهر فرق شاسع بين الاثنيْن، فصوت سامي – الذي يحاول من خلاله تقليد عمّه الرئيس الشهيد بشير الجميّل – وطريقة كلامه والسخرية التي يستخدمها في خطابه، هي بعيدة جداً عن الشهيد بيار الذي كان يتميّز في خطابه بالرصانة والجديّة وتوضيح الموقف.
وفي المحصلة، بعد سنة من توليه رئاسة حزب الكتائب تطبع عهده ثلاث صفات: الاستعراض الدائم، التراجع على الصعيديْن الشعبي والسياسي وعدم القدرة على النهوض الحزبي.
فهل يرحل سامي تاركاً وراءه آثار هذه الصفات أم يستطيع تغيير نفسه واستلحاق شيء من بيت سياسي عريق وحزب كان فاعلاً ضاع في الـshow off والاستعراضات؟؟؟