صحيح ان الاجتماع الأخير بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري انتهى إلى تأكيد حرص الرئيسين على التسوية الرئاسية، الا ان الصحيح أيضاً ان استمرار هذه التسوية بالشكل الذي هي عليه يتم على حساب الرئاسة الثالثة، ولمصلحة الرئاسة الأولى من دون أدنى شك، ومن يقول عكس ذلك، أو يعتقد بأن ما يحصل حتى الآن، من ممارسات على صعيد السلطة ظل تحت سقف هذه التسوية ولم يخرج عنها ويتجاوزها فهو مخطئ، أو انه يغطي على الواقع والحقيقة خدمة لمصالح خاصة.
فمن أولى التأكيد على ان الأسس التي من أجلها كانت التسوية هي إنقاذ لبنان من تداعيات استمرار الأزمة الرئاسية ومعها استمرار تعطيل المؤسسات وشل الدولة، وصولاً إلى إلغاء اتفاق الطائف الذي اوقف الاحتراب بين المسلمين والمسيحيين، وأرسى نظام حكم جديد يقوم على الشراكة والمناصفة بين الفريقين. الا ان ما حصل بعد ذلك من ممارسات على صعيد الحكم الحالي، شكل خروجاً بالكامل على هذه المبادئ بدليل ما حصل خلال تأليف حكومة ما بعد الانتخابات من تطاول على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، والتفاف على اتفاق الطائف للاستئثار والتفرد بالحكم، وما رافق ذلك من الإعلان صراحة أو مواربة بأن الطائف لم يعد صالحاً ويجب إعادة النظر فيه، ما أدى إلى تأخير في تشكيل الحكومة قارب السنة من عمر العهد الذي يدعي انه قوي في بلد لا يُحكم بالقوة بل بالتفاهم والتعاون بين كل مكوناته الطائفية والمذهبية وقد دلت كل التجارب المرة التي مرَّ بها على صحة هذه النظرية.
ومن حسن الحظ حتى لا نقول من سوئه ان الشريك الآخر في التسوية، استوعب كل هذه التصرفات وصبر على كل التجاوزات صوناً للمصلحة الوطنية العامة التي أملت عليه الذهاب إلى هذه التسوية الإنقاذية إلى ان انتهت أزمة التأليف وانتقلت البلاد إلى مرحلة جديدة عنوانها إنجاح العهد القوي في تحقيق الاستقرار والنهوض بكل اشكاله وانواعه وألوانه، وبدلاً من ان يستجيب العهد راح من يديرون أمور البلاد باسمه يتصرفون على أساس الاحادية وليس على أساس الشراكة والمشاركة كما نص عليه اتفاق الطائف، وكما بنيت عليه التسوية الرئاسية الأمر الذي اشعل من جديد فتيل الأزمة الداخلية وأعاد طرح السؤال «لبنان إلى أين» بقوة، مما استدعى ذلك الاجتماع الثنائي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لوقف التمادي في تلك التصرفات التي لا تمت بأي صلة لاتفاق الشراكة والعودة إلى الالتزام باتفاق الطائف صوناً للتسوية الرئاسية ولاستمرار الاستقرار في البلد. الا ان لا شيء حتى الآن يشي بأن ما انتهى إليه هذا الاجتماع من حرص على إعادة ترميم التسوية الرئاسية سيعمد في ظل استمرار جنوح فريق رئيس الجمهورية نحو السيطرة والاستئثار وتسخير كل مقومات الدولة لتحقيق مطامح لم تعد بخافية على أحد من اللبنانيين.