من الصعب تحديد المدى الذي يمكن أن تصل إليه العقدة المُفتعَلة في ربع الساعة الأخير، والتي حالت بعد خمسة أشهر من العرقلة، دون تشكيل الحكومة، قد يكون لأسابيع إضافية. العقدة الحالية تفتقد بحد ذاتها عنصراً قوياً يمكن أن يبرّر عرقلة طويلة الأمد، وتفتقد أرضية سياسية موسّعة حامية لها، لا سيّما من بعد الموقف الواضح لرئيس الجمهورية، مثلما أنها تؤسّس لشيء ما زال غير مسبوق في تاريخ المسألة الطائفية اللبنانية. فلئن فرض، كأمر واقع، حق النقض المذهبي في لبنان على مستوى الاكثرية السياسية داخل كل طائفة، فهذه هي المرة الاولى الذي يمارس فيه على هذا النحو شبح حق النقض المذهبي بما يتعلق بتحديد إطار مذهبي مختلف عن الجهة التي تعرقل الامور بحجته. عش كثيراً ترى كثيراً في بلد الطوائف، لكن هذه السابقة بحد ذاتها تؤسّس لاحتمالات ومضاعفات كثيرة.
بقي أن وراء هذه المماطلة تحسّس للحظة، اللحظة المتصلة بتشديد العقوبات الاميركية على ايران، وفي الداخل اللبناني، على «حزب الله»، ولحظة تتصل كذلك الامر بالانتخابات النصفية الاميركية وما يمكن ان تسفر بعدها من حرية حركة أكبر لدونالد ترامب. هي ايضاً لحظة تتأرجح فيها ملفات عديدة في المنطقة. لكن ما علاقة كل هذا بالمماطلة؟ هل يريد المماطلون نيل ضمانات جديدة لهم في المرحلة المقبلة، وممن؟ هل يحتاجون فقط إلى إظهار انهم يمسكون بالوضع اللبناني، وما الذي يعنيه هذا بالتحديد، الإمساك باستقراره، أو إظهار القدرة على شلّ الامور فيه، وهل يستقيم العنصران معاً لفترة طويلة؟ صعب ذلك.
هناك حالة تلف أساسية يعيشها النظام السياسي بعد تراكم كل تجارب التعطيل والفراغ والعرقلة والمماطلة. وهناك بالتقاطع معها حالة من التغلب، متذرعة بممارسة حق النقض من موقع فئة لضمان ذاتها، ثم متوسعة، لضمان فئة من فئة سواها، يبقى ان كل هذا يعيد فيظهر كم هي هشة المخارج التي على اساسها يعالج، وسيعالج، التعطيل في هذا البلد. في الوقت نفسه الذي لا يقابل هذا التمادي بمنسوب من الاحتجاج لدى العدد الأكبر من الناس، بل بمستوى عالٍ جداً من اللامبالاة، اللامبالاة غير المرتاحة في نفس الوقت.
بعد ان وجد قسم كبير من الناس ضالتهم في متابعة واستقراء تداعيات الانتخابات البرازيلية في الاسبوع الماضي، هي الانتخابات النصفية الاميركية التي تستأثر بالزخم هذا الاسبوع. من جهة، هذا مفهوم ومبرر، كون كل الانتخابات الاميركية منذ عقود طويلة باتت استحقاقات تهم كل سكان الكوكب، رغم ان الحيز الخارجي يبقى محدود الإثارة فيها، كما انه مفهوم ومبرر لجهة ان النظر الى مواجهة سياسية بهذا الاتساع أفيد من اجترار لحظة التعطل السياسي المحلية، خاصة عندما تكون العرقلة الاخيرة تحوي قدراً عالياً من العبثية، من حيث المضمون، ومن انتظار اللحظة الاقليمية، وبالتالي، بشكل غير مباشر، أفق ما بعد الانتخابات النصفية الاميركية، من حيث الظرف.
يبقى ان السؤال الذي يطرح نفسه، اذا كان “حزب الله” ينتظر اتضاح مآل العقوبات وسعتها، والسياسة الاميركية «الجديدة» بعد الانتخابات النصفية، ويؤخر الحكومة، «للتركيز» على شاشة هذه الاحداث الكبرى، فما الذي ينتظره اللبنانيون الآخرون؟ التناغم مع المناخ الاميركي المتوقع؟ الابتعاد عنه؟ البحث عن مبادرة حمائية للبلد كله بشكل عام، إنما على قاعدة تفكيك ثقافة التغلًب والعنجهية الفئويتين داخلياً، في مقابل محاولة سحب البساط من تحت هذه العقوبات؟ هل ان مبادرة كهذه لها ركائز واقعية موضوعية؟ هل هي أساساً مفكر بها؟ هذه الاسئلة لا تزال الى حد كبير غير مطروحة حتى هذه اللحظة، لكن مآلات الاوضاع تحملها بين طياتها، من دون أن تحمل، بالضرورة، أجوبة لها.