الدخول المفاجئ لمرجعيات كبرى على خط الاستحقاق الرئاسي بخطاب ناري وعالي السقف، يعكس حقيقة واحدة، وهي ان البلد غير مهيّأ بعد لتفاهم وطني ينهي الأزمة ويقود الى انتخاب رئيس. والأسخم والأكثر سواداً في هذه الصورة العامة للمشهد السياسي هو تبادل القصف الكلامي بحجج واهية أو مفتعلة وحتى كاذبة، وهو ما ينطبق على منطق المماحكة، وليس منطق الإقناع! وتحوّلت غالبية من اللاعبين الرئاسيين الى خوض مباريات عبثية على طاولة البلياردو السياسي، ولم يعد الهدف منها اسقاط الكرة الرئاسية في الثقب المخصص لها، بل أصبح هدف اللاعب ضرب كرته وتوجيهها لإصابة كرة خصم آخر، وهكذا…
تجنّباً للغرق في طوفان البيانات الانشائية والغرق في لجّة الفصاحة اللغوية والمناورات الخبيثة، يجدر التوقف عند بعض الحقائق الجليّة، ومنها:
ان كل طرف جلس الى طاولة الحوار الوطني برئاسة الرئيس بري كان يدرك ان الهدف منها هو التوصل الى اتفاق حول القضية المطروحة، فاذا تمّ التفاهم عليها يوضع في سلّة افتراضية كانت موجودة دائماً هناك وتتوسط طاولة الحوار، ثم يتمّ الانتقال الى قضية خلافية أخرى…
ان كل حوار ثنائي جرى قبل الطاولة وخلالها وبعدها كان في الواقع هو عبارة عن ملء سلال صغيرة من التفاهمات لتفريغها في النهاية في السلة الكبيرة.
المبادرة الرئاسية الأخيرة للرئيس سعد الحريري حملته على القيام بجولة على القوى السياسية، وكان الهدف منها جمع التوافقات في سلّة افتراضية كان يحملها…
التقيّد بالدستور والميثاق يغني عن السلّة… وهذا صحيح، ولكن بما أننا وصلنا اليوم هنا، وبما ان العمل السياسي أصبح عندنا اليوم خروجاً على غايته … ومخالفة صريحة للدستور والميثاق الوطني، فكيف السبيل إذن للخروج من هذا المأزق؟ سابقاً أجابت القوى السياسية عن هذا السؤال بالحديد والنار في حرب أهلية دامت لعقد ونصف العقد… أما اليوم فخرج رجل حكيم من هذا الوطن وقدّم جواباً يدعو الى سلّة حلول بالحوار والتفاهم والموعظة الحسنة… فهل هذا الموقف الذي عبّر عنه الرئيس نبيه بري يستحق الرجم والصلب؟!
لو كان المرشح الرئاسي خارجاً عن حوارات التفاهم، ويجري التوافق بين القوى السياسية الأخرى وحدها بعد استبعاده، لصحّ القول ان هذه الحلول هي قيود مفروضة عليه بعد وصوله الى الرئاسة. أما اذا كان المرشح مشاركاً في السلّة وحلولها، فكيف يكون أسيراً لها ومكبّل اليدين؟