هل سيأتي اليوم الذي يتوقف فيه بعض السياسيين عن المراهنات واعتبار لبنان كازينو؟ واستطراداً، هل يشرح أحدٌ كيف يمكن للاتفاق على النووي الإيراني أن ينعكس انتخاباتٍ رئاسيةً في لبنان؟!
في الكمبيوتر الأميركي، لا وجود لأزمة في لبنان إسمها الفراغ الرئاسي. ففي البداية، أي في 25 أيار الفائت، كانت أزمة الانتخابات الرئاسية لبنانية عامة. وبعد ذلك، تَدبَّر السنّة والشيعة والدروز أمورهم بين حكومة الرئيس تمام سلام وبرلمان الرئيس نبيه بري، وجنبلاط الوسيط بينهما، فباتت الأزمة الرئاسية مسيحية فقط، بل مارونية.
واليوم، وفيما يقترب 25 أيار الثاني، اعتاد الموارنة أنفسهم على الفراغ. وحتى الغزل «العوني»- «القواتي» وصلَ إلى بَيْض الشوكولا في عيد القيامة… لكنه لم يلامس الرئيس!
وهكذا، «هَزُلَت» أزمة الفراغ الرئاسي من كونية إلى محلية إلى طائفية إلى… بلدية! أي انها اليوم لا تكاد تتجاوز الإطار البلدي في بعبدا، حيث يجدر الإهتمام بالموسم الثاني من العشب النابت على دروب القصر… فلا يدخل إليه ويأكله!
وفوق ذلك، يهرب غالبية المعنيين من الاستحقاق الحقيقي، أي من مسؤوليّاتهم المباشرة عن الفراغ، ويُسَلّون الرأي العام بانتظار الحلول من الخارج.
لمَن يذكر، عندما كانت تقترب الولاية الرئاسية من نهايتها، كانت المراهنة المتبادلة داخلياً منصبّة على الملف السوري: بعضهم ينتظر سقوط الرئيس بشّار الأسد وبعضهم انتصاره. وتبيّن لاحقاً أنّ المراهنة عقيمة. واليوم، هناك مراهنة مماثلة، ولكن على إيران والخليج: ينتصر السنَّة أم الشيعة؟
وفي أي حال، يتقاسم الأقوياء إقليمياً ودولياً مواقع النفوذ، ويلعبون الأوراق. لكنّ أحداً لا يَذكُر أو يَتذكّر أنّ لبنان دولة ذات نظام جمهوري، وأن لا رئيس لها منذ عام، وأنّ غياب الرئيس يعني تعثّر الآليات الدستورية وفقدان الميثاقية.
فأساساً، تضع القوى الدولية، ومنها الولايات المتحدة، ثقلها لحماية أنظمة إقليمية لا دستور حقيقياً لها، وهي تدافع عن رؤوس هذه الأنظمة أو تتغاضى عن مطالب إسقاطها، ولا تسأل عن سوء إدارة مؤسساتها الدستورية، ذات الوجود الشكلي فقط، إذا وُجِدت. فلماذا يَفترض اللبنانيون أنّ واشنطن وسواها ستتفانى دفاعاً عن رئاسة الجمهورية في لبنان؟
وقد كان واضحاً دور نائب وزير الخارجية الأميركي طوني بلينكن في بيروت. فلا علاقة إطلاقاً لزيارته بملف الرئاسة، بل هي لتقديم الشروحات اللازمة لعواصم المنطقة في شأن الاتفاق النووي مع إيران. وهذا عمل إعتيادي في المجال الديبلوماسي. ولا مجال لزرع الأوهام مجدداً حول تأثير الاتفاق على ملف الرئاسة اللبنانية، تجنّباً للمزيد من الخيبات.
ما يعني الأميركيين في لبنان هو استمرار «الانضباط» السنّي – الشيعي ضمن الحدود التي لا تؤدي إلى تفجير لبنان بتأثير الصراع المذهبي الإقليمي. وهذا الأمر تتكفَّل به حكومة الرئيس سلام، المتوازنة في تركيبتها والموازية في ثقلها للمجلس النيابي.
وأمّا الرئاسة المسيحية فلا خوف من فراغِها. والمهمّ أن السنّة والشيعة تجاوزوا قطوع الخلاف عليها وتدبّروا أمورهم، والبلد «يمشي» ولا يشكو شيئاً من دون الرئاسة. وأمّا اعتراض المسيحيين فلا يقدِّم ولا يؤخِّر لا في الإستقرار ولا في موازين القوى.
ولا يكاد الصوت المسيحي المعترض يُسمع خارج جدران بكركي. وفي زمن الفصح، يبدو قادة المسيحيين- مثل مرتا- منشغلين بأمور كثيرة… والمطلوب واحد!
وفي معزل عمَّن سيَفْقس بيضة الآخر، في عيد القيامة، عون أو جعجع، فإنّ الرجلين لا يتنبّهان إلى أنّ اللبنانيين جميعاً، والمسيحيين خصوصاً، «مفقوسون» بفضلهما، ولا يتذكَّران أنّ هناك مَن «أكَلَ البيضة والتقشيرة»، فيما هما «يُمَزمِزان» المصالحة من عيد الميلاد إلى عيد الفصح… فعيد الصليب… فعيد الميلاد ربما.
وبَدا أنّ حلم المسيحيين لا يتجاوز المصالحة بين عون وجعجع، وأمّا الحلم بتصحيح الخلل في الدور الوطني فباتَ أسيراً للشعارات البالية.
فهنيئاً لقصر بعبدا موسمه الثاني مع العشب… وعسى ألّا يرتفع هذا العشب حتى يأكله ويُخفيه عن الخارطة!