IMLebanon

بين راجح و«الشيطان الأكبر»

«تعا ولا تجي… وكذوب عليي الكذبة مش خطية.. وعدني انو راح تجي.. وتعا ولا تجي» (من مسرحية «بياع الخواتم«)

لطيفة قصة «راجح» في مسرحية «بياع الخواتم»، تلك الأوبريت الموسيقية الجميلة التي حوّلها «يوسف شاهين» إلى فيلم سينمائي لا يزال حتى الآن يثير اهتمامنا، نحن الجيل الذي ما زال يحيا مع الرحابنة.

قضية راجح في المسرحية تروي وتشرح حاجة المختار (نصري شمس الدين) إلى أسطورة تجمع الناس حوله كسلطة في مواجهة عدو إسمه راجح، نسبت إليه كل موبقات الأرض وجرائمها، والمختار وحده هو في المرصاد وهو مَن يحمي القرية من غدره وإجرامه.

قصة راجح ما هي إلا تصوير مسرحي لقضية استعملها الكثيرون من الحكام على مدى التاريخ المعروف، وبعض الرواجح كانوا حقيقة وآخرون كانوا أسطورة، مثل غضب الطبيعة وغضب الآلهة والعدو والإسلام والصليبية واليهود والشيوعية والرأسمالية والتطرّف والإرهاب… آخر راجح كان «الشيطان الأكبر«. 

الظريف في قصة «الشيطان الأكبر« هو أن التعاون المباشر أو عبر الحلفاء لم يتوقف بينه وبين منظومة الملاك الأكبر، أو المرشد الأعلى، الإيراني منذ أصبحت الولايات المتحدة الأميركية راجح الولي الفقيه. 

قضية نقل أسلحة أميركية إلى إيران سنة ، خلال الحرب مع العراق، أصبحت قضية معروفة بـ «إيران غيت«، دفع ثمنها ضابط أميركي وطني متحمس اسمه اوليفر نورث عوضاً عن رئيسه رونالد ريغان. 

بالطبع فقد كان من مصلحة «الشيطان الأكبر» بتعاونه مع المرشد الأعلى إطالة الحرب مع العراق وانهاكه، واستدراج دول الخليج إلى سباق التسلح بالسلاح الأميركي والاحتماء بحمى الإدارة الأميركية.

لكن «الشيطان الأكبر« البراغماتي بامتياز، وأحياناً كثيرة «المركنتيلي»، وجد مسوغات فلسفية وأخلاقية، وفرتها له بعض الأوساط الأكاديمية، للتفاهم مع مشروع ولاية الفقيه في أواسط التسعينيات من القرن العشرين بخاصة بعد تجربة تعاون ناجحة في حرب الخليج الثانية.

منطق بعض هؤلاء الأكاديميين «الشيعة المولد» كان يعتمد على التفاهم مع «التطرّف الشيعي» ذي القيادة المعروفة والمرجعية الموحدة لمواجهة «التطرّف السني» الأهوج والعشوائي وذي المراجع المتعددة وغير المعلنة.

كان ذلك في خضم بداية العمليات الإرهابية التي أطلقتها القاعدة ضد المصالح الأميركية. تحول هذا التعاون إلى أمر واقع بعد انفجار البرجين في نيويورك في أيلول ، بعد أن تحولت الإدارة الأميركية إلى ثور هائج يبحث عن الانتقام بأي ثمن.

كان العدو المعلن هو الإسلام الأصولي السني بمختلف أوجهه، فيما تحول التطرّف الشيعي إلى حليف موضوعي. وبدت مفاعيل هذا الحلف غير المعلن واضحة في غزو افغانستان، وكانت جليّة في غزو العراق، وقد جنت إيران ولاية الفقيه كل ما تحلم به من العراق على خلفية هذا الغزو.

لقد انتقم الأميركيون لإيران من صدام، وسلموا العراق لها بعد بضع سنوات من الخسائر الأميركية، مما فتح الباب مشرعاً أمام تحقيق مشروع «الهلال الشيعي»، ودفع المسؤولين الإيرانيين إلى إعلان إعادة إنشاء الإمبراطورية الفارسية الثالثة. 

قصة راجح «الشيطان الأكبر« كانت شديدة الإفادة للولي الفقيه لتحشيد أنصاره من جهة، ولذرّ الرماد في عيون أبناء المنطقة من سنة وشيعة. أما قصة راجح الثانية فهي قصة مقاومة إسرائيل وهي كانت جواز مرور الحرس الثوري بكافة مكوناته إلى بلادنا.

اليوم حصل الإتفاق النووي بين المرشد الأعلى وشيطانه الأكبر، وسوف تتوضح لاحقاً بنود تتعلق بضمان إيران الولي الفقيه أمن حليف «الشيطان الأكبر«، أي إسرائيل. يعني أن لسان حال الولي الفقيه وأتباعه يقول اليوم مع نصري شمس الدين في ختام مسرحية بياع الخواتم «نشكر الله الي إجا راجح المليح وراجح المعتم أخدتو الريح«. 

وهذا ما ظهر ملياً في خطابات حسن نصر الله مؤخراً حيث اختفت كلمات العداء للشيطان الاكبر وظهرت بدلاً منها كلمات المهادنة لإسرائيل، لكن راجح نصر الله تحول إلى مكانه الأصلي، إنه العالم العربي بكل مكوناته. 

كل هذا يؤكد أن الهدف الاساسي لمشروع ولاية الفقيه لم يكن يوماً لا مواجهة أميركا ولا القضاء على إسرائيل، بل كان ولا يزال العالم العربي، فإن الهلال الشيعي الموعود لا يشمل فلسطين، فلا وجود حوثياً أو ما شابه فيها، الهدف هو القضاء على الكيانات العربية ودب الفوضى فيها («داعش« ومثيلاته) لإزالة الحدود ومد سلطة الولي الفقيه على أرض خالية من السلطة والنظام.

«عاصفة الحزم« هل تكون بداية مشروع دفاع العرب عن وجودهم؟ 

الأيام القادمة قد تكون فيها الإجابات.