بين المتغيّرات الإقليمية والأجندات اللبنانية الملحّة
المستقبل – حزب الله7: الرئاسة الأولى بأهداف متباعدة؟!
من مراجعة أجندة آذار (مارس) الجاري، يتضح بما لا يقبل مجالاً للريبة، أن هذه الأجندة، توفّر المؤشرات الجدّية، ليس فقط لمصير انتخابات الرئاسة الأولى، بل أيضاًَ مجمل الوضع اللبناني بكل ما تنضح به وقائعه السياسية، ومجرياته اليومية..
1- ففي هذا الشهر، تتوضح، على نحو جذري آليات العلاقات الأميركية – الإيرانية، ومصير المفاوضات حول الملف النووي الإيراني (بدءاً من 16 الجاري).
ومن شأن النتائج الآيلة عن هذا التاريخ ترك بصمات على الاستقرار الإقليمي أو عدمه، بما في ذلك الاستقرار اللبناني.
2- وفي هذا الشهر، تظهر أكثر فأكثر طبيعة المسار الذي ستسلكه العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، لجهة تقرير ما يمكن أن ينجم عن الصراعات الجارية بين البيت الأبيض، وعلى رأسه باراك أوباما، والحكومة اليمينية الاسرائيلية الحالية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، الذي يبحث عن ولاية جديدة في اسرائيل، للحؤول دون وصول وزير الخارجية ليبرمان الى الموقع الاسرائيلي الأول، في الدولة العبرية..
3- وعلى خط الأزمات الإقليمية المفتوحة، من المتوقع أن تظهر في هذا الشهر، المحاولات الخليجية الجارية لإعادة بناء تحالفات، بوجه القوة الإيرانية الصاعدة، بعد أحداث اليمن، والتنكّر الاسرائيلي المستمر لعملية السلام، وحلّ الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية، عبر إعادة وصل ما انقطع بين مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي وتركيا الأردوغانية، في ظل تناوب أركان حزب العدالة والتنمية على السلطة، بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، أي بين توجهات مصر الليبرالية، القومية، وتوجهات تركيا في دعم حركة الإخوان المسلمين، والحركات الساعية الى التماهي معها في ظل تخبطات الربيع العربي..
على أن الأهم، لبنانياً، الأجندات السياسية والأمنية، التي يرتبط بها الوضع المقبل، دستورياً وسياسياً، وإقتصادياً في لبنان.
1- فهناك أولاً الحوار المسيحي – المسيحي الجاري بين تيار العماد ميشال عون (التيار الوطني الحر) وتيار القوات اللبنانية (تيار الدكتور سمير جعجع)، والذي يذهب ويجيء حول 17 نقطة تتعلق بالشراكة المسيحية – الإسلامية، والطائف، وقانون الإنتخابات، والإدارات العامة، والتحديات التي تواجه المسيحيين في ضوء الاعتداءات التي تصل الى حدّ الإبادة، بعد التهجير في العراق وسوريا، ومناطق أخرى.
المعلومات تجزم أنه من الصعب بمكان أن تسلّم القوات اللبنانية للعماد عون بالرئاسة للجمهورية، ولو كان لدى التيار تعهّد بأن تنتقل عملية الدعم له في رئاسة مقبلة، بعد ولاية عون.
أمّا الباقي على أهميته، فهو بلا جدوى فعلية، في وقت نشأت قوة ثالثة على الساحة المسيحية، يعبّر عنها تحالف الرئيسين السابقين أمين الجميّْل وميشال سليمان، على شكل التكتل الوزاري، المعروف بلقاء الثمانية..
2- وهناك حكومياً، الحِراك الجاري لإقناع الكتائب وكتلة سليمان الوسطية بأن الحلّ الأفضل لإعادة تفعيل مجلس الوزراء يتوقف على العودة إلى نص المادة 65 من الدستور التي تتحدث عن آلية إتخاذ القرارات، بالتوافق، وهو الأصل، وبالتصويت وهو أصل ثانٍ، لكنه يأتي في مرتبة ما بعد العجز عن التوافق إلى آخر نص المادة في فقرتها كافة..
ومع أن الرئيس تمام سلام يتحرك على جبهة روحية المادة وليس نصّها الحرفي، كما يطالب بعض الشخصيات الإسلامية ـسنّة وشيعة)، فإن الحِراك الجاري بدأ يأخذ أبعاداً غير مريحة في ظل ربط الأزمة الحكومية الراهنة بانتخابات الرئاسة الأولى..
3- حوار تيار المستقبل – حزب الله، أو الحوار بالواسطة بين الرئيس سعد الحريري والسيّد حسن نصر الله، في مبارزة، أوراقها موضوعة على الطاولة، ولكن ليس بالكامل، وكأنها نيابة عن الصراع الدائر بين إيران الطامحة الى أن تكون قوة نووية، بعد أن تحوّلت إلى قوة صناعية وعسكرية، ودول الخليج العربي الطامحة إلى الحدّ من هجوم الإيرانيين على الساحة العربية والإسلامية من العراق إلى اليمن وسوريا، وبالعكس، وصولاً إلى لبنان مروراً بالبحرين حتى أفغانستان ونيجيريا..
ثمّة من يعتقد أن التسويات الإقليمية، لا سيّما في ما خصّ الأزمة السورية أو الحرب الدائرة هناك، وضعت على نار حامية، بعدما تبيّن أن استمرار الحرب المدمّرة هناك، فتحت الأبواب على مصراعيها، من أجل إيجاد حل سياسي، لم يعد البحث خلاله، يتوقف على بقاء الرئيس بشار الأسد أو عدم بقائه، بقدر ما يتعلق بأن استمرار الحرب يولّد جماعات مسلّحة، يُنظر إليها على أنها قوى «تكفيرية» وإرهابية، تهدّد استقرار الشرق الأوسط برمّته، فضلاً عن أوروبا الغربية، بدءاً من السواحل الإيطالية والفرنسية والإسبانية..
في الوضع هذا يجري الحديث في الدوائر الدبلوماسية عن «تسويات مؤقتة» هنا وهناك، فضلاً عن إيلاء لبنان أهمية خاصة، تتمثّل بتوفير ما يلزم من دعم عسكري ولوجستي وتسليحي للجيش اللبناني، ليتمكّن من مواجهة «الجحافل المسلحة» الرابضة في الجرود السورية بمحاذاة الحدود اللبنانية شرقاً، لا سيّما من جرود رأس بعلبك الى جرود عرسال وتلال بريتال والقرى المحيطة بها..
ينعقد الحوار بين المستقبل وحزب الله في جولته السابعة اليوم، لا ليجري مراجعة، بشأن ما أنجز من خطوات أمنية، بل ليذهب إلى الملف الرئاسي، في ضوء الحاجات الجدّية لدى كل الأطراف من إنهاء محنة إدارة الدولة، وذلك عبر إعادة الملف الرئاسي إلى حيويته، كبند مفتاحي لسائر الأزمات الماثلة بقوة على الأرض السياسية والإدارية والعسكرية، فضلاً عن الاقتصاد وتحدياته من الاستثمار إلى إصدار سندات الخزينة وتمويل الدولة..
يستعجل المستقبل ملف الرئاسة، لأنه في نظر كثيرين يفتح الباب بقوة للرئيس سعد الحريري للعودة إلى السراي الكبير، ويبدو أن هذا هدف ليس طويل الأجل للرجل، الذي يعرف أكثر من سواه أن متغيّرات جمّة تعصف بدول المشرق العربي، تستدعي أن يكون هو لا سواه، في هذا الموقع، بينما لا يندفع حزب الله إلى الأولوية نفسها، وإن كان لا يجادل بشأن الإسراع ببت الملف الرئاسي، لكن على أجندته أموراً أخرى، ليس أقلها، تمسكه غير الخفي بالعماد عون رئيساً، وحرصه الدائم على مواجهة ما يسميه «المشروع التكفيري» كأولوية مطلقة، لا تسقط من حسابها، تصفية الحسابات المفتوحة مع اسرائيل؟!