IMLebanon

بين الرفض والتغيير

كما في البقاع كذلك في جبل لبنان وفي الجنوب أقبل اللبنانيون على الاقتراع للانتخابات البلدية والاختيارية بكثافة عالية، ربما لم يشهدها لبنان منذ عشرات السنين الماضية، وهذا يُشكّل أكبر دليل موثّق على توق اللبنانيين إلى ممارسة الديمقراطية التي حرمهم منها أرباب السلطة الذين يتربعون على عروشهم «الذهبية» ويخافون على أن تذهب بهم الممارسة الديمقراطية المبنية قاعدتها الأساسية على حق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه وبالتالي حقه في التعبير عن إرادته في التغيير عبر الانتخابات أي بالعودة إليه وإلى صناديق الاقتراع.

لقد قال الشعب اللبناني في هذا الإقبال الشديد على صناديق الاقتراع كلمته الفصل في وجه السلطة المهيمنة على الحكم لتحافظ على مصالحها وبأن وجودكم ليس مرغوباً به، ولا يعبّر عن إرادته، وسيأتي يوم الحساب، لينزع عنكم الوكالة التي منحكم إياها لفترة محددة وليس إلى أبد الآبدين كما تتوهّمون وتخططون وتعملون، وهو آتٍ لا محالة مهما حاولتم تأجيلها بالتمديد لأنفسكم في مجلس النواب مرتين وحتى ثلاث مرات وبتعطيل الانتخابات الرئاسية بذرائع وحجج مختلفة لا تمتّ بأي صلة لا إلى الديمقراطية ولا إلى موجباتها الأساسية المبنية على حق الشعب المطلق في محاسبة الذين يتولّون الأحكام بإسمه لمدد حدّدها الدستور والقوانين التي وضعت في الأساس لمصلحته وبإسمه، وليس لمصلحتهم ولأجل أن يتربّعوا على السلطة ويمارسوا العهر السياسي ويسلبوه حقوقه في التغيير عبر الاستفتاءات الديمقراطية.

إن الديمقراطية تجسدت في الانتخابات البلدية والاختيارية رغم محاولات أرباب السلطة والقوى الحزبية الالتفاف عليها، ومنعها من أن تأخذ مداها بتحالفاتها السياسية والانتخابية وباستخدام كل الوسائل الأخرى من ترهيب علني ومن ترغيب بالمال الذي سرقوه من فم المواطن وعلى حساب حقه في الحياة الكريمة، وقد تجلّى ذلك في كل الأماكن التي جرت فيها الانتخابات البلدية ليس فقط بالإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع وإنما بالجرأة التي تحلّى بها اللبنانيون وقالوا لا لكل القوى المتحكمة والتي تقبض على السلطة وتتلاعب بمصالح اللبنانيين بإسم الدين أحياناً وبإسم الطائفية والمذهبية أحياناً أخرى وبإسم القوة في كل الأحيان، ولست هنا بحاجة إلى أن أسمّي منطقة بعينها لأن ما حصل في هذه الانتخابات شكّل حالة رفض عامة لهؤلاء الذين يمسكون بزمام الأمر حتى يحافظوا على مواقعهم ومكاسبهم بمعزل عن هذا الشعب الذي ضللوه ذات يوم بالوعود الكاذبة والمعسولة.

إن أرباب السلطة يدّعون بأن ما جرى من تنافس في الانتخابات البلدية جزء من الديمقراطية التي تجسّد حرية الخيار عند النّاس سواء في الترشح أو الانتخاب إنما يحاولون إما التخفيف من صدمتهم وإما الهروب من الحقيقة لكنهم في ذلك يتهربون من الحقيقة المرة عليهم، وهي أن الشعب اللبناني في إقباله الكثيف على هذه الانتخابات عبّر عن رفضه لهم وتمسكه بحقه في التغيير.