بين عودته من الرياض واستقباله وزير الخارجية الأميركي، يستعيد رئيس الحكومة سعد الحريري موقعه، ويحاول مجدداً فرض إيقاعه وصلاحياته والتحرر من عبء ما فرضته عليه التسوية
ليس الاشتباك السياسي حول النازحين والوفد الحكومي الى بروكسل الأول من نوعه، ولن يكون حتماً الأخير بين مكونات الحكومة. لكنه يأتي في توقيت دقيق، ما يرسم علامات استفهام حول موقع رئيس الحكومة سعد الحريري في المشهد السياسي.
مقالات مرتبطة
7 ساعات بين الحريري وابن سلمان الأخبار
لم يلتبس على أحد أن الحكومة كانت حاجة ماسة للحريري أكثر من أي قوة سياسية أخرى، وهو اضطر لهذا السبب الى أن يقدم تنازلات كثيرة على طريق التسوية الرئاسية، ومن بعدها الانتخابات النيابية، ومن ثم تأليف الحكومة الثانية له في عهد الرئيس ميشال عون. والأكيد أن عودته الى الحكومة ساهمت جدياً في بلورة صورته الإقليمية والدولية كرئيس حكومة، بصرف النظر عن عثرات كثيرة وعن دخول شركاء سنّة له، ليس من 8 آذار فحسب، الى طاولة مجلس الوزراء وهو ما لم يكن يرتضيه سابقاً. الحاجة المالية والسياسية، كانت ولا تزال لب المسألة الحريرية في القبول بتنازلات على طريق العودة رئيساً للحكومة بعدما أغلقت السعودية أمامه باب التسوية السياسية والمالية، ما كان يدفعه الى الزاوية فيرضخ لشروط يفرضها عليه العهد وحزب الله.
زيارة الحريري السعودية الأخيرة، أعادت بعضاً من الروح الى رئيس الحكومة، في وقت كان فيه يتلقى ضربات تتعلق «بمحاكمة» عهد الحريرية السياسية والمالية، لأن أي نبش لتلك المرحلة من أي باب أتى، هو استهداف لإرث والده الرئيس رفيق الحريري وللمرحلة الانتقالية التي عبر بها فريقه. في ظل المعركة التي طاولته، بقي الحريري صامتاً. بالنسبة إليه الاتفاق القديم قضى بتقاسم المرحلة التي تتعرض حالياً للانتقاد، بين الأمن والسياسة لفريق، والمال والاقتصاد لفريق. اليوم لا أحد يتحدث بالأمن والسياسة عن تلك المرحلة، لكن الجزء المالي يتعرض لحملة عنيفة، فيما هو نفسه يقع ضحية أزمة مالية، تجعله راضخاً لكل متطلبات التسوية التي شارك فيها.
السؤال، هل يستمر الحريري في الإيقاع نفسه، فيبقى على حالة صرف النظر، أو «التطنيش» السياسي عن كل ما يتعرّض له؟
في الأيام الاخيرة، بدأت تبرز شكوك حول استمرار الحريري في النهج ذاته. كلما فتحت له السعودية مجالاً ولو ضيقاً للحركة واستوعبته أكثر سياسياً ومالياً، ترتفع احتمالات تحوله من متفرج صامت الى رئيس حكومة يريد ممارسة صلاحياته فعلاً، فلا يجيّرها لأيّ من شركاء التسوية. وكلما عبّدت دول خليجية الطريق أمامه، وجيّرت سياستها اللبنانية إليه، سعى إلى الخروج من الجو الذي أقحم نفسه به، والتحرر شيئاً فشيئاً من الضغوط التي تمارس عليه. في الأساس، هو يريد تسوية أوضاع مالية، بعد أزماته المتفاقمة سياسياً وإعلامياً وإدارياً. وحين تظهر أمامه بارقة أمل، لن يفوّت الفرصة لالتقاطها، فكيف إذا جاءت من دول خليجية، والسعودية التي يتردد أنه سيزورها مجدداً؟ عاد الحريري يتمسك بالصلاحيات ويتحدث عنها كرئيس حكومة، ويفرض إيقاعه في تشكيل الوفد الحكومي الى بروكسل، على طريق وضع خريطة عمل تتعلق بكل القضايا الحساسة التي ستكون في برنامج عمل الحكومة. لكن هذا لن يكون سوى الخطوة الأولى.
يتهيأ الحريري لبدء مرحلة جديدة يتخلى فيها عن سياسة التحفظ
فالحكومة أصلاً مهيأة لكل أنواع الفخاخ بين مكوناتها، والملفات العالقة بينها كثيرة، وكل فريق يختبئ وراء التسوية من أجل تسيير عملها، من العلاقات مع سوريا وملف النازحين الى الملف المالي العالق والتعيينات والكهرباء وجميع ملفات الداخل الحساسة. وكل هذه المواضيع قادرة على أن تفجر الحكومة من الداخل، مضافاً إليها العلاقات الشخصية السلبية أساساً بين مكوناتها، ما يجعل أي تصرف للحريري ومعارضيه داخل الحكومة على المحك، لأن الرجل يسعى الى أن يتحرر من عبء بعض ما فرضته التسويات المتتالية عليه، وهو بدأ يلمس بعض التشجيع العربي والدولي. فبين زيارة السعودية وانتظار زيارة وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو، تطفو الى السطح ملامح تشجيع الحريري على إبداء بعض المواقف الصارمة، فترتفع وتيرة تململه، ما يزرع شكوكاً في أن يكون مقبلاً على مواجهة الحملة التي يتعرض لها فريقه، ارتباطاً بتطور مسار احتضانه عربياً، مالياً وسياسياً. وهو يراهن على أن وجود حكومته بات حاجة للعهد ولحزب الله في ظل ارتفاع وتيرة حصاره أميركياً ودولياً، تماماً كما كانت حاجته إليها. أما وقد حجز له مكاناً في المشهد العربي والدولي مجدداً، ويريد ترتيب «البيت السنّي» بأقل الأضرار كلفة عليه، فإنه يتهيأ لأن يبدأ مرحلة جديدة يتخلى فيها عن سياسة التحفظ التي مارسها طوال الأشهر الماضية، قبل أن يضمن عودته الى السرايا الحكومية. ويتوقف هنا على العهد وحزب الله كيفية مقاربة تبدل لهجة الحريري وأدائه، فهل سنكون أمام مشهد استيعابي، في انتظار تبلور أداء السعودية وحجم استيعابها لأزمة الحريري، أم تحمل المرحلة الجديدة ملامح اشتباكات متتالية في حكومة تحمل في طياتها كل أسباب الانفجار الداخلي بين مكوّناتها؟