IMLebanon

بين صدّام وبشّار

 

فُبركت لصدّام حسين قصّة أسلحة الدمار الشامل وشُنَّت عليه الحرب استناداً لها، في حين شنّ رئيس سوريا السابق بشار الأسد واحدة من الهجمات الموثّقة بذلك السلاح، فَفُبْرِكَتْ عليه ضربة صاروخية ليتها ما كانت!

 

طبعاً لم تكن تلك الأسلحة (المدّعاة) السبب الرئيس لإسقاط صدّام العراق، وليست هي (الفعلية) السبب الرئيس لبقاء بشّار سوريا في مكانه، كأنّ الأول استنفد مهامه وأكملها واستطرد خارج حدوده باتجاهات خطيرة فجرى إنهاء حُكمه وتقويض سلطته، في حين لا تزال عند الثاني بعض الوظائف غير المنجزة تماماً ما يستدعي “الانتظار” قبل وضع ملفّه كلّه دفعة واحدة على الطاولة!

 

الفبركة في قصّة صدّام لا تعني أنّه لم يمتلك تلك الأسلحة غير التقليدية، بل العكس الذي تأكّد في حلبجة في أواخر ثمانينات القرن الماضي، كانت سبقته محطات كثيرة في سياق الحرب مع إيران، والتي جرى فيها استخدام السلاح الكيماوي والسام على أنواعه وبطريقة مكشوفة! لكن المفارقة في الأمر، هو أنّه، أي صدام في تلك “اللحظة” كان شبيهاً إلى حدٍّ ما، بنظيره السوري اليوم! بمعنى أنّه عندما امتلك ذلك السلاح فعلياً لم يقترب منه أحد (جدّياً!) في مواقع صنع القرار الدولي! بل حصل ذلك عندما تخلّص من كل مخزونه المحرّم، وكشف كل أوراقه أمام المفتشين الدوليين، الذين لم يتركوا زاوية ممكنة إلا واستكشفوها.. وصولاً الى قصوره الرئاسية بما فيها غرف النوم!

 

خارج المناحة التي انطلقت غداة المذبحة الفظيعة في حلبجة، لم يشعر “القائد الضرورة” بأي خطر فعلي يتهدّد كيانه إلى أن ارتكب أولاً خطيئة أسلافه إزاء الكويت، (عبد السلام عارف وقبله عبد الكريم قاسم.. وقبلهما على ما يُقال في بعض المصادر التاريخية، الملك فيصل الثاني، أو بالأحرى الوصي على عرشحه عبد الإله). والتي كانت (تلك الخطيئة) من النوع الذي لا يُغتفر ولا يُسكت عنها، فدفع هؤلاء ثمن القول والنيّة! في حين دفع صدام نصف الثمن عن جريمته التامّة باجتياحه الأرعن للدولة الخليجية الجارة، قبل أن يصل الى خطيئته الثانية (أو يعود إليها) المتمثّلة بتوعّده “حرق نصف إسرائيل”، ويدفع بالتالي كامل الثمن المؤجل!

 

بشّار السوري غير ذلك: ينسّق خطواته وإجراءاته وكيماوياته وسمومه في إطار خطّ عريض جداً هو الإذعان التام للخطوط الحمر أمامه، وأولها عدم تهديد إسرائيل بأي شيء!! ليس فقط بالاستحالة الخاصة بالسلاح الكيماوي، بل بما دون ذلك بأشواط وأشواط.. بحيث أن سيبيريا وحدها كانت تُنَافس البرودة الجليدية التي خيّمت على مرتفعات الجولان (المحتلة!) في حين أنه انصاع من دون جدال لأوامر جورج بوش الابن بالانسحاب من لبنان غداة جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.. وبسرعة قياسية برغم اللغو المديد بـ”وحدة المسار والمصير”! ثم برغم جدّية العروض التي كانت أمامه والمباركة إسرائيلياً، لجهة تنفيذ إنسحاب جزئي باتجاه البقاع!

 

وعلى العكس تماماً من صدّام الذي هدّد إسرائيل استباقياً وشرطياً، بالإعلان أنه سيردّ عليها، “إذا” اعتدت على العراق! فإن بشّار الكيماوي السوري “هدّد” إسرائيل من باب الحرص عليها! ودوام حفظ حدودها الشمالية مع سوريا من خلال إعلانه، منذ اللحظات الأولى لثورة السوريين عليه وعلى تركيبته المافيوزية الفئوية الأمنية الحزبية، من أنَّ سقوط نظامه “سيضرّ” بها وبأمنها واستقرارها!

 

لكن من مفارقات هذه الأحجية أن بشّار الأسد الناجي كيماوياً على عكس صدّام، قد يسقط نتيجة العامل ذاته الذي أبقى صدّام في مكانه غداة دحره من الكويت: إيران! ذاك سقط برغم كونه سدّاً في وجه التغلغل الإيراني، وهذا مرشح للسقوط لأنه قارب على إنجاز وظيفة تحويل سوريا ومؤسساتها وكيانها وجغرافيتها، “بيئة صحّية” لذلك التغلغل!

 

وفي المحرقة الموعودة (؟) لا شيء سينقذ الأسد من مصيره المحتوم! لا “السوخوي” الروسي! ولا التردّد الأميركي! ولا المدَدَ المذهبي الإيراني الذي سيكون مشغولاً، حسب الوعد!، بتصفية حساب عالق مع إسرائيل!

 

علي نون