لا نستغرب هذا الإهتمام المتصاعد بقضيّة النازحين السوريين الى لبنان، إلاّ أننا لا نفهم أنّ ندخل هذه القضية في نطاق المزايدات والاستغلال السياسي، وتحويلها الى سلعة في سوق المناكفات والمزايدات.
بداية نود أن ندعو الى عدم الإصرار على التشابه بين قضيتي النزوح السوري واللجوء الفلسطيني، فالأمران مختلفان كلياً، وليس من تماثل بينهما باستثناء وجودهما في لبنان.
الفلسطينيون اللاجئون الى لبنان منذ العام 1948 حتى اليوم وضعهم مختلف عن النازحين السوريين الذين توافدوا الى لبنان منذ العام 2011…
فالفلسطيني دفعه غاصب محتل لمغادرة وطنه وأرضه واحتلّ مكانه، فأخذ منه الأرض وما عليها من ممتلكات وطوّبها بإسمه وسنّ القوانين الظالمة التي تمنع العودة منعاً باتاً، بدعم من القوى العظمى التي لا تزال تساند العدو الاسرائيلي في هذه الجريمة التاريخية والانسانية الكبرى.
أمّا السوري فدفعه النظام الى النزوح الى لبنان والاردن والعراق وتركيا وبلدان كثيرة في مختلف أنحاء العالم، ولكنه لا يزال يملك هويته السورية، ولا تزال أرضه ملكه، ولا تزال روابطه قائمة مع وطنه السوري.
لذلك، ليس من خطر للنزوح حتى وإن كانت تصرّفات النظام من جهة ومواقف دول كبرى من جهة أخرى تنم عن نيّة برفض العودة.
ولقد أغرقونا، طوال السنوات الثلاث الماضية بحوار عقيم بين القائلين بالعودة «الطوعية» (وهو ما تدعمه معظم دول العالم خصوصاً أوروبا وأميركا) وبين العودة «الآمنة» التي يقول بها لبنان الرسمي في أدبياته… ونحن نقول بعودة لا تترتب عليها تداعيات أبرزها أن يمارس النظام حقده على العائدين، هذا إذا كان جاداً في قبول عودتهم… ونحن نشك في صدق نواياه.
ولكن، في الواقع، وبعيداً من التجاذبات اللبنانية المعروفة، ليس من مشروع أو مخطط دولي لعودة النازحين السوريين الى بلدهم سوى المشروع الروسي، ولكن هذا المشروع غير قابل للتنفيذ لأسباب عديدة أبرزها الآتي:
1- إنّ المشروع الروسي لم يحظ حتى الآن بدعم فعلي من أي طرف دولي فاعل، وحتى النظام السوري ذاته لم يصدر عنه ما ينبئ بأنه «يمشي» جدياً بهذا المشروع.
2- إنّ الأحداث في سوريا لم تنتهِ بعد، وإن كانت باتت محصورة في نطاقٍ ما، ولكن التفجيرات اليومية لا تزال تهز المدن والبلدات السورية كلها، وبالتالي فالأمن غير متوافر ليس فقط للنازحين إنما للسوريين جميعاً.
3- إنّ ما يرشح من الداخل السوري في تعامل النظام مع القلة التي عادت لا يطمئن على الإطلاق.
4- روسيا «تمون» على النظام، فلماذا لا تمارس عليه المونة والنفوذ ليسهّل عودة النازحين فعلياً وليس بالبروباغندا؟
باختصار، اننا نريد عودة النازحين السوريين مثلنا مثل اللبنانيين جميعهم، ولكننا نريدها عودة آمنة حقيقية، وفي أي حال نحن واثقون من أنّ هذه العودة ستتم، مع علمنا بعبء النزوح على لبنان إقتصادياً واجتماعياً.