IMLebanon

بين سمير جعجع وميشال عون هل تسند النوايا‮ «‬زير‮» ‬لبنان؟‮!‬

 
المشهد من الرابية، ليس على عادة ما ألفه اللبنانيّون، فللمرّة الأولى يُسجّل في لبنان وقوف خصميْن لدوديْن على مدى ربع قرن معاً أمام عدسات المصورين، في وقتٍ بلغ فيه وضع المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً حالاً مزرية غير مسبوقة في تاريخهم، وللمرّة الأولى تخرج صورة مرشّحيْن لدوديْن للرئاسة الأولى معاً وفي عقر دار أحدهما الذي بدا متفاجئاً بالزيارة، على عكس لبنانيين أدركوا منذ اللحظة الأولى أنّ إقدام الدكتور سمير جعجع على خطوة الحوار مع خصمه اللدود ليست مناورة، بل قناعة حقيقيّة لرجلٍ اعتبر أنّ دوره في هذه المرحلة الإقدام لحماية لبنان بمسيحييه ومسلميه، وهذا في الشّكل، أمّا في المضمون…

أخيراً؛ خرج إلى العلن ما اصطلح على تسميته بـ»إعلان النوايا» بين القوات اللبنانيّة والتيّار الوطني الحر، وسيكون هذا الإعلان موضع ردّود فعل أوليّة، بعضها سيكون شديد العنف خصوصاً من حلفاء سوريا، وطليعتهم حزب الله الذي نشكّ كثيراً أن يقف موقف المتفرّج وهو يرى إعلان النوايا بين القوات اللبنانيّة والتيار العوني يُطيح بجدّية ورقة التفاهم التي يستظلها منذ شباط العام 2006 والتي قادت إلى خراب متكرّر وخسائر كبرى نزلت بلبنان لأنها حمت حزب الله من وجهه المذهبيّ الحقيقي لأجندته الإيرانيّة، خصوصاً وأنّ الانطباعات الأولى لإعلان النوايا خرجت في نصوص واضحة لا لبس ولا تحايل في لغتها، إذ تطابق فيها المسميات مع أسمائها، وحضر فيها الدستور وبنوده، واتفاق الطائف وتطبيقه، ومصلحة لبنان التي اقتضت «ربط النزاع» بين الفريقيْـن اللذيْن وإن لم يتوصلا إلى إعلان نوايا على العناوين الأكبر والأخطر، إلا أنّ لا أحد يستطيع أن يعتبر إعلان النوايا هذا مجرّد توافق على البديهيات، فالنوايا هنا «لبنانيّة» واضحة الاتجاه الوطني، وهي بالتالي مُلْزِمة لطرفيها، إن أثبتا «حسن نواياهم» فعلاً في الأيام المقبلة، خصوصاً في مواجهة عواصف ستهبّ من قبل المتضررين من هذه النوايا ومن إعلانها ومن أي تقارب قد يحدث بين الفرقاء المسيحيين عموماً، فكيف بالفريقيْن اللدوديْن اللذيْن اعترف كل واحد منها بحجم الآخر الوازن في الشارع المسيحي.

وصّف «الحكيم» بالأمس اللحظة اللبنانيّة الشديدة الدقّة عندما اعتبر أنّ «السبب الرئيسي لزيارتي هو التقاء القوتين السياسيتين وبرأيي أنّ القوات والتيار قوتان كبيرتان في حال التقيا يمكن أن يحدثا تأثيراً إيجابياً على الأوضاع في لبنان»، ونميل إلى الظنّ أنّ البنود التي ستكون عرضة لهجوم عنيف ومحاولة عدّة لتفسيرها بما ينسف وضوح مضمونها هي الآتية: «إبقاء المبادئ الدستورية والميثاقية فوق سقف التنافس السياسي ورغبة بالعمل على التواصل بجميع المجالات لتنفيذ الالتزامات؛ التأكيد على التمسك بالمبادئ الكيانيّة المؤسسة للبنان؛ الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني لجهة الاعتماد على اللامركزية الادارية وبأحكام الدستور المتعلقة بالمالية العامة؛ إحترام قرارات الشرعية الدولية كافّة والعمل على تنفيذ القرارات التي تمّ التوافق عليها سابقاً في الحوار الوطني؛ الحرص على ضبط الأوضاع على الحدود بين لبنان وسوريا وعدم استعمال لبنان منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين؛ التعهد بالتقيد بالدستور والابتعاد عما يتعلق بالتلاعب به وإساءة تفسيره؛ اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع على أن تؤخذ في الاعتبار إمكانات الدولة اللبنانية والمعادلات الاقليمية والدولية».

منذ صباح اليوم، سيجد لبنان ما يشغل أحاديثه وخطاباته وانقساماته السياسة، وينظر اللبنانيّون بعين الريبة والحذر يترقبون ترجمة هذه النوايا الحسنة أفعالاً حسنة، والله وحده يعلم السرّ وما يخفى، لأنّ النيّات محلّها القلوب، ونذكّر أصحاب هذه النوايا بالحديث الشريف: «عن أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّما الأعمال بالنيّات، لكل امرىء ما نوى» [رواه البخاري ومسلم في صحيحهما]، أما إذا خَبُثت النوايا وفسدت، فذبح لبنان على عتبة معادلة الخراب أو كرسي الرئاسة، نحيل من يستقتل على «الرياسة»، على الحديث النبوي الشريف: «من كانت الدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيّته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة» [سنن ابن ماجة].