التسوية الرئاسية التي رشح أن اللقاء الباريسي بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية قد أنتجها ما زالت الشغل الشاغل للأوساط السياسية والإعلامية، وعلى رغم المناخ الإيجابي الذي أدّت إليه لم تمنع تسجيل اختلافات حولها بين مكونات 14 آذار من جهة، وبين مكونات 8 آذار من جهة ثانية، وهذا ما أظهرته مواقف حزبي القوات والكتائب اللبنانية والمسيحيين المستقلين داخل الفريق الأول، ومواقف التيار الوطني الحر وحزب الله داخل الفريق الثاني.
وكان البارز على صعيد الفريق الأول، ما صدر عن رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع لجهة التمسّك بوحدة 14 آذار وثوابتها الوطنية والتي تذكّر بالموقف نفسه الذي أعلنه بعد إللقاء الذي تمّ بين الرئيس الحريري والعماد ميشال عون في روما قبل نحو أكثر من سنة، ورشح على إثره أن رئيس التيار الأزرق رشّح أو قبل برئيس التيار الوطني الحر آنذاك كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية في مقابل أن يكون هو أول رئيس حكومة تشكَّل بعد الانتخابات الرئاسية، ثم كرّت سبّحة التكهنات حول أبعاد هذا الطرح وسياقه إلى أن توضّحت الصورة وتبيّن أن الترشيح جاء في سياق تسوية شاملة محورها الأساسي الثوابت الوطنية لقوى الرابع عشر من آذار وفي سياق آخر هو أن يحصل عون على تأييد بكركي وكل المكونات المسيحية الأخرى.
وكان الأبرز على صعيد الفريق الثاني، أي 8 آذار ما أظهره موقف النائب فرنجية، نجم التسوية المقترحة، الذي أعلن أن استمرار العماد عون بالترشح بهدف تعطيل حظوظ فرنجية سيؤدي إلى كلام آخر، وجاء هذا الكلام في الوقت الذي لا يزال حزب الله يلتزم الصمت حيال الطرح الحريري التسووي للنائب فرنجية مع استمرار تمسكه بالتسوية الكاملة والمتكاملة التي طرحها أمينه العام السيّد حسن نصر الله بالتزامن مع اجتماعات فيينا من أجل البحث عن تسوية للنزاع السوري ما لبثت أن تعثّرت بسبب استمرار الخلاف بين موسكو وواشنطن والغرب والدول العربية التي شاركت في تلك الاجتماعات حول دور ومصير الرئيس السوري بشار الأسد في هذه التسوية.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، يكون الشبه كبيراً بين ما رشح عن لقاء روما بين الحريري وعون، وما رشح عن لقاء باريس بين رئيس التيار الأزرق ورئيس تيّار المردة طالما أن الظروف التي تحكم الوضع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط لم تتغيّر كثيراً والأصح أنها ما زالت على حالها، وطالما أن الظروف الداخلية ما زالت أيضاً هي ذاتها لم تتبدّل ولم تتغيّر لا في موازين القوى ولا في الأسباب التي أدّت إلى الانقسام الحاصل والذي حال حتى الآن دون الاتفاق أو التوافق على قواسم مشتركة تؤسس لإنهاء أزمة الشغور في رئاسة الجمهورية، تماماً كما حصل في الطائف وكما حصل في الدوحة إذ لولا التوافق الدولي، ورعايته للطائف ومن ثمّ للدوحة لما تمكّن الفرقاء اللبنانيون من التوصّل إلى تلك التسوية التي أنتجت إتفاق الطائف، ولا إلى التسوية التي أنتجت لاحقاً إتفاق الدوحة.
يُقال كلام كثير عن أن اجتماع باريس ما كان ليحصل لو لم يكن هناك إيعاز إقليمي ودولي بوجوب حصوله لكي يُشكّل مدخلاً إلى التسوية المطلوبة لإنقاذ لبنان من تداعيات ما يجري حوله في ظل استمرار أزمة الشغور الرئاسي وما تستجلبه من أزمات أخرى على كل المستويات. ويُقال أيضاً أن ما حصل هو بمثابة منح اللبنانيين فرصة أخيرة لكي ينقذوا بلدهم ولو اقتضى الأمر تقديم تنازلات من كل الأطراف، وهذا القول قد يكون صحيحاً لكن الصورة لم تتضح بعد، وربما ما زالت تحتاج إلى مزيد من الوقت قد يكون طويلاً، ما دام أن الجميع يقرّ بأن أزمة لبنان مرتبطة بأزمات المنطقة، وثمّة استحالة في فصلها عنها، فضلاً عن اعتراف النائب فرنجية نفسه بأن ترشيحه وإن كان جدّياً لم يُصبح بعد رسمياً، وحتى يُصبح كذلك دونه الكثير الكثير من التعقيدات الداخلية والخارجية المتداخلة.