IMLebanon

بين الجد واللعب

الكل يلعب، إرهابيو الكوكب المتطرفين دينياً، الخارجين عن خريطة الحياة المعتادة، يثيرهم اليوم “شارليون”، باتوا لا يتقنون حتى لعبة الإستعراض العاطفي تحت بنديرة الحرية المضحكة، فهم أيضاً يلعبون، وكما الإعلاميون أحرار في ما يكتبون ويرسمون هازئين، ساخرين، كذلك من يقع عليهم فكر ساخر يطالهم ومعتقداتهم، يتمتعون بحرية الرد بالطريقة التي تناسب “المناسبة” المجزرة التي بدأت تعم الكوكب شرقاً وغرباً. هذا هو إنسان القرن الحادي والعشرين أينما كان، وأياً كانت معتقداته الدينية والسياسية والإقتصادية، وأينما حط طموحه المخرّب لكل ما مضى من إنجاز، فنحن على أبواب تغيير جذري لمقاربة الحياة على الأرض، وان ما زال بعيداً. والمكلفون إنجاز عملية محو ما مضى هم أهل الإرهاب و”الشارليون” معاً، فهم يكملون لعبة دمار بدأت، وليت الإنسان يسعى الى فهم ما يحصل خارج إطار السياسة والدين والغالب والمغلوب.

أما الإرهاب كما يرعبنا اليوم فليس جديداً على المسيرة البشرية. الإنسان إرهابي بطبعه الخائف من المجهول. والغرب الأوروبي والأميركي المختبىء وراء قناع الحرية بات مكشوفاً على حقيقة انه ركن أساس في عملية الإرهاب البشري باستمرار. نقرأ هذا في كتب التاريخ وفي روايات أدباء غرب طالما شعروا بالخجل مما يرتكبه حكامهم الإستعماريون. ويكفينا في عصرنا عمل الغرب على قيام كيان يهودي طائفي فوق أرض فلسطين. ويصرّون اليوم على جعل الدين اليهودي صك ملكية إلهياً في زمن ذهاب حتى العالم العربي الى مساحات العلمنة في أفق قد لا يكون حقاً بعيداً.

أوروبا الى خراب، كذلك أميركا، كذلك كل من يمد يده الى مساحات الأديان لاعباً أو جاداً، هازئاً أو مدافعاً، فظاهرة “أنا شارلي” الكاريكاتورية اختصرت وضع إنسان زمن يتفكك بكل تركيبته القديمة. هناك من نضج من الجنس البشري الى ما هو أسمى مما نختبر اليوم، فالحقيقة نسبية أمام تفاوت الوعي البشري. هناك الإرهابيون وهناك الحكام اللاعبون بمصير البشرية بلا مبالاة غبية.

وهناك “الشارليون” الزائفون أصحاب وعي لا يختلف عن وعي أهل الإرهاب، وهناك أقلية وعت تطور لعبة الحياة من ملايين السنين، ودور الأديان التي سجلت مراحل تطور الفكر البشري فعكستها داخل تعاليم بدأت مع حمورابي ووصاياه التي تبنتها الأديان وظلت حبراً على ورق.

ما من “أفضل” بين الجد واللعب، وما من جد ولا من لعب مختلفين: فالجد واللعب يتكاملان، كذلك الخير والشر، كذلك كل ثنائيات الوجود، حتى نعي وحدة وجود من ينابيعها يدفق الحب الذي وحده يضيء الحياة.