الكل يحاول جذب الكنيسة إلى صفّه وقناعاته
بين شيحا والحاج.. لبنان المشتهى مؤجل
يغيب الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال الحادي والسبعين اليوم. سبقه منذ زمن بعيد غياب أي احتفال «شعبي» يتخطى المظاهر «الفولكلورية» الممجوجة.
لم يعد اللبنانيون يختلفون على استقلالهم الاول منذ صار «الاستقلال الثاني» في العام 2005 مدعاة انقسام، والأخطر محطة مفصلية في إعادة تشكيل البلد وتوازناته، فضلاً عن علاقته بمحيطه الإقليمي وخصوصاً بسوريا.
يحاول كثيرون اليوم إعادة إحياء «فلسفة الفكرة اللبنانية». يحاولون ضخ الروح في جسد «الميثاق الوطني» المتهالك. يعتبرون أنهم أضاعوا، على طريق الصراعات وتكبير حجم الاختلافات وحتى الايديولوجيات، بعضاً من لبنان المتــميز الذي كان، ولم يجدوا لبنان المشتهى الذي ارادوه ونادوا به كثيراً.
من هؤلاء مجموعة من الطامحين للعمل السياسي والناشطين على مستويات محلية، ومن المفكرين والحاضرين في الحقل العام. التقوا برعاية كنسية في محاولة لبلورة أطر، او اقله خارطة طريق، تعيد رسم لبنان القابل للعيش، او «لبنان الجديد»، كما راج في أواخر كل حرب من العام 1975 الى 1990.
مِن بين هؤلاء المشاركين، مَن استذكر ميشال شيحا ومحاولته ترسيخ «عقيدة» لبنانية ما، حيث تتشارك كل الطوائف ـ الاقليات في حكم لبنان الليبرالي. فبعد عقود على هذه الافكار، تبين أن ما يجمع معظم اللبنانيين هو حرصهم على الحرية وعلى هامش كبير من الليبرالية الاقتصادية، وتمسكهم بعيشهم المشترك على صعوبة منعرجاته وتحدياته».
منهم مَن استحضر كمال الحاج، «فيلسوف القومية اللبنانية وسط تصاعد فكرة تقديم الانتماء الوطني على أي انتماء آخر. فلم يعُد عمالة او تخاذلاً القول إنني لبناني اولاً احاول تلمس حلولاً لبيتي الداخلي قبل أن أدلي بدلوي في كل شؤون الامة والعالم. وهذا لا يتعارض مطلقاً مع حملي قضايا الامة العربية ومآسيها التي ستطالني حكماً»، على ما قال أحد المشاركين.
حاولت الجهة المضيفة ان تشرح اهداف اللقاء معتبرة أن «الكنيسة يفترض ان تكون المساحة الارحب لمناقشة كل ما له علاقة بلبنان وديمومته. وهي الفسحة حيث تلتقي التوجهات والأصوات المتقاربة والمختلفة وتطرح الإشكاليات بأبعادها المختلفة وصولاً حتى الى التعارض مع مواقف الكنيسة. فإذا كنا نحن اهل الحوار والعلم والداعين الى الانفتاح وقبول الاختلاف والتنوع، أعجز من أن نتقبل نقاشاً فكرياً هدفه الوصول الى لبنان المشتهى، فإن لا مكان آخر قادر على جمع اختلاف اللبنانيين».
تشعّب النقاش واتخذ أبعاداً فكرية وفلسفية وبنيوية لها علاقة بالطائفية والنظام والمواطنة وثقافة التعايش وادوار الطوائف اللبنانية في تلاقيها او تجافيها.
لكن أحد المشاركين في التنظيم أخذ على اللقاء أنه يشبه الى حد كبير «لقاءات واجتماعات مشابهة، جرت منذ انتهاء الحرب في لبنان الى اليوم. وكل هذه الحلقات لم تخرج بأكثر من طرح افكار ومقاربات وتوصيفات لأزماتنا، او قراءة تاريخية لها من دون أن نقدم الحلول أو نضع أقله خطوطاً عريضة لما يمكن أن نعمل للوصول إليه في المدى القريب أو البعيد».
وفي معرض دفاعه عن اختيارهم عباءة الكنيسة للنقاش في مواضيع وطنية عامة يفترض أن تبحث مع جميع المكونات اللبنانية، يقول أحد الناشطين «مع الأسف، في غياب الاطر الوطنية الجامعة، لا بد من مرجعية لها مصداقيتها الوطنية ولا غبار على حرصها على لبنان الذي يطمح اليه جميع اللبنانيين. قد يختلف بعضهم على تفاصيـل ما مع توجّهات الكنيسة الوطنية، انما في ما يخصّ المسلمات والقيم والأهداف، فلا احد يختلف مع الكنيسة. المشكلة ان كل فريق سياسي يحاول جذبها إلى صفه وقناعته، وهي تسعى الى ان تكون للجميع وعلى مسافة واحدة منهم».
انتهى اللقاء السياسي ـ الفكري ـ الكنسي على موعد جديد مع «أفكار وطروحات عملية تنقذ الوطن والجمهورية». وحين أوحى احد المنظمين بعدم تفاؤله بالوصول الى طرح عملي مشترك «قبل ان نشيخ ويشيب لبنان»، ردّ عليه احد الحاضرين «الا تعرف ان كمال الحاج قال يوماً: هذا هو لبنان. شاب على أنه الشيخ في سكناته. شيخ على أنه الشاب في وثباته».
انتهى اللقاء وما زال بعض المسيحيين يقارب علاقة المسيحيين بالصيغة وعلاقة المسيحيين بمحيطهم كأنه ما يزال يعيش في لحظة التأسيس الكياني. ثمة تبدلات كبرى حصلت لبنانياً وعلى المسيحيين أن يقرأوها بعين نقدية قبل غيرهم.