غرابة السرعة التي تمت فيها استعادة مدينة سنجار من «داعش»، لا توازيها غرابة سوى تصريحات وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي قال فيها ان ايام ذلك التنظيم الارهابي «صارت معدودة»!
تحرير المدينة الايزيدية العراقية خبر كبير يوازي الى حد ما خبر تحرير كوباني (عين العرب) السورية في مطلع العام الجاري.. والخيط الرابط بين الحدثين هو الحضور المركزي للمعطى الكردي والانخراط الاميركي الاستثنائي، ليس فقط بالقصف الجوي، وانما (في حالة سنجار) بالحضور الميداني المباشر لقوة عسكرية كانت «قريبة جداً من الجبهة» على حد تعبير ناطق باسم «البنتاغون».
وأمر غريب ان يفرط «داعش» بتلك السرعة في سنجار وهو الذي قاتل بضراوة وشراسة في كوباني. وذلك، اذا وُضع في الاطار نفسه مع انسحابه السريع ايضاً من محيط «مطار كويرس» في الريف الحلبي، يمكن ان يعطي كلام جون كيري صدقية اكبر بكثير، وأكثر واقعية، من صدقيته في شأن «مصير الاسد».
والحاصل هو اننا امام واحد من احتمالين: اما ان «داعش» يتلاشى ميدانياً تحت وطأة القصف الجوي من طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والمستمر منذ نحو عام. وإما انه يتّبع تكتيك تجميع قواته في الموصل التي يقال انها ستكون قمة معاركه باعتبارها كانت (ولا تزال) ذروة تمدده الصاعق والمفاجئ في حزيران من العام 2014.
ومنطق الامور يقول، ان «داعش» أحجية ولا يزال أحجية. وصيته كان ولا يزال، أكبر من أفعاله وقدراته! خصوصاً انه «احتل» الموصل ايام نوري المالكي بنحو 1500 مقاتل فقط! وهي المدينة التي تضم اكثر من مليوني نسمة! وكانت محمية بأكثر من 35 الف جندي ورجل أمن. وهؤلاء عموماً، لم يُطلقوا رصاصة واحدة في اتجاه المهاجمين، بل «آثروا» ترك كل سلاحهم وعتادهم في ارضه، والهرب تنفيذاً لأوامر عليا جاءت من المركز في بغداد، أي من عند المالكي نفسه!
وتفكيك تلك الاحجية يفيد، أن هذا الـ«داعش» في المحصلة، لم يخدم احداً سوى المحور الممانع. ولعبته كانت كبيرة. واساسها سوري وليس عراقياً. واسلامي اكثري وليس ارهابياً! ولذلك حاول المالكي الاستفادة من الفرصة وفشل. أي حاول ان يستعير الوظيفة الاساسية لذلك التنظيم والقائلة بتظهير حالة ارهابية تكفيرية جنونية، صاعقة وصادمة، لوضع العالم (!) امام «حقيقة» ان جذر الارهاب موجود في الاسلام الاكثري وليس في غيره! وانه هو، هذا الارهاب، سيكون البديل الحتمي عن المالكي في العراق وبشار الاسد في سوريا!
ضحالة المالكي جعلته يفترض انه قادر على استغلال تلك الوظيفة لصالحه. خصوصاً ان «داعش» انفجر وتمدد عنده وفي عزّ الحملة الداخلية العراقية عليه وعلى ارتكاباته وفساده ومذهبيته، وبعد وصول الاميركيين الى قناعة باستحالة استمراره في منصبه! لكن تبيّن ان العراق ليس سوريا. اي ان تغيير رأس الحكم، فيه لا يلغي تبعية ذلك الحكم لإيران ومحورها. في حين ان سقوط الاسد حاسم في هذا الاتجاه، ويعني (وسيعني) كسراً لنفوذ إيران وطموحاتها واستثماراتها.
هل يعني تحرير سنجار وكلام كيري، ان هذا الـ«داعش» استنفد وظائفه! وان الاميركيين الذين دخلوا على الخط وحاولوا الاستثمار فيه لحسابهم وعلى طريقتهم، غيّروا سياستهم بعد «عاصفة السوخوي» وفي ضوئها وعتمتها؟! وهل يعني ذلك، ان ما دفعوا اليه في العراق لا بد ان يحصل مثله في سوريا، اي ربط الفوز بالحرب على الارهاب، بتغيير رأس الحكم؟ ام انهم يقطعون الطريق (فقط) على ذهاب موسكو الى الاستثمار في «داعش» لحسابهم ومصالحهم؟!
أليس غريباً مثلاً، ان «عاصفة السوخوي» ركزت على كل شيء معارض إلاّ «داعش»! وأليس غريباً ان «داعش» هذا لم ينخرط في معركة فعلية واحدة ضد قوات الاسد او «حزب الله» في سوريا، وانما استهدف وركّز كل عملياته ومعاركه ضد المعارضة السورية! وأليس غريباً انه «احتل» تدمر بكل مخازنها النظامية في سوريا مثلما «احتل» الموصل بكل عتادها العسكري في العراق!
.. أليس غريباً، ان تُطرح كل هذه الاسئلة فيما «الجواب» الواضح منذ سنوات، هو ان الشعب السوري يُنحر وينكّل به بهذه الطريقة النكبوية، تارة على مذبح محور الممانعة، وتارة على مذبح حسابات الاميركيين (والاسرائيليين) وتارة على مذبح حسابات الروس!