من تهديد “شيعة السفارة” الى ابتزاز “تيار المستقبل” (“أول ضحايا داعش والنصرة”) الى ترهيب المسيحيين (“هل تشكّل مواقف 14 آذار ضمانة لكم وهل تحمي كنائسكم؟”)، بدا الأمين العام لـ “حزب الله” كمن يدشّن مرحلة ايرانية جديدة في لبنان، مستمدّة من اهتزاز “الامبراطورية” بفعل تداعيات الحَدَثين اليمني والعراقي وهزائم الحليف السوري وامتداداتها الى لبنان.
ففي الذكرى السنوية الـ 15 لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي أراد السيد حسن نصرالله أن “يبشّر” جمهوره بأن حرباً اخرى بدأت من أجل تحرير جرود عرسال من احتلال “داعش” و”النصرة”، متجاوزاً المساءلة عن معنى هذا “النصر” الذي يهلل له في جرود القلمون، وكيف يقاتل لتحرير الجرود السورية من السوريين بدفع هؤلاء السوريين الى الأراضي اللبنانية. فالجواب جاهز عنده: في الجهة السورية هناك تعاون من جانب قوات النظام، أما في الجهة اللبنانية فلا تعاون من جانب الجيش… هكذا، وبمثل هذا المنطق الأعرج، يريد أن يبرر معركة ارتكب فيها جرماً بيّناً ضد لبنان، وبكامل وعيه واصراره، بل ينبري الى استخلاص العبر مما يسميه “التاريخ يعيد نفسه”.
والعبرة الأهم أن الخطر آتٍ، بل داهم، وما على الدولة إلا أن تتحمّل المسؤولية. أي دولة؟ تلك التي يعطّل دستورها ليعطل انتخاب رئيس لها ويشل عمل مؤسساتها ويضع جيشها وشعبها أمام الأمر الواقع: لا مفر من الاعتماد على “المقاومة”، وبذلك يصار الى تفعيل “الثلاثية الذهبية”. حتى أنه يستشهد بالحال العراقية التي أُسقط منها الشعب والجيش لتبقى ميليشيا “الحشد الشعبي”، وكذلك بالحال السورية التي تداعت كل عناصرها. وحين قال نصرالله للبنانيين: أنا ضمانتكم، كان يخيّرهم بين مبايعته ومبايعة “أبو بكر البغدادي”. لعله يعتقد أن مبايعته امتياز، لكنها اهانة بكل المقاييس.
لا بدّ من تذكير نصرالله بأن من استدعى الاميركيين لمحاربة “داعش” هو صديقه الحميم نوري المالكي، وبإيعاز ايراني، وكما أن العراقيين والسوريين، وكذلك اللبنانيين، لا يثقون بدور اميركا ولا بدور ايران، فكلاهما برهن ما عنده لزعزعة الاستقرار وتعميم الدمار. لذلك فإن اللبنانيين الذين يعرض نصرالله ضمانته لحمايتهم ليسوا متأكدين مما اذا كان دوره استيراد “داعش” الى الداخل ليستخدمه في حسم هيمنته على البلد، أم أنه يحاربه فعلاً. بعض الوقائع في القلمون يثير الشكوك في تناغم بين “داعش” و”حزب الله”، مثلما أن “دواعش” دمشق وجنوب سوريا يتناغمون مع النظام.
عندما عدّد نصرالله الانتصارات التي حققها “البعض” من اللبنانيين، لم يفته أن يشير الى “الانتصار الماثل أمامنا في سوريا” (!)، موضحاً أن “الانتصار الحقيقي” في بقاء/ إبقاء النظام. اذا كانت معارك انقاذ النظام توصّلت الى هذه النتيجة فلن يتمنّى أحد تولّي ايران أو “حزب الله” هذه المهمة.