IMLebanon

بين سوريا «الأسد» وسوريا الديموقراطية التسوية السياسية المستحيلة

أنبنت شرعية مقولة «سوريا الأسد» على أسس واهية تساقطت الواحدة منها تلو الأخرى.

«فالوحدة العربية» على أساس قومي: (عرق عربي ودين إسلامي) سقطت وسقط معها شعار «أمة عربية واحدة» لمصلحة مقولة «العروبة» رابطة حضارية ثقافية التي أقرّتها جامعة الدول العربية في مؤتمرها المنعقد في الرياض عام 2007 وضرورة السعي لبناء نظام المصلحة العربية القائم على أساس المبادرة العربية لحل الصراع العربي-الإسرائيلي عام 2002 التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية 242 و338.

أما مقولة «الحرية» فقد أسقطتها البراميل المتفجرة التي دمّرت وتدمر المدن السورية الواحدة تلو الأخرى. هذا بعد أن كان نظام الاستبداد السياسي قد أنتج مقولات وتصورات شعبية في عدم الثقة حتى بين أفراد الأسرة الواحدة وصفها سجناء سوريون بأنهم لم يعودوا يثقون حتى بزوجاتهم عند زيارتهن داخل السجن وهذا ما شجّع العقيد عاطف نجيب (ابن خالة الرئيس) على محاولة كسر إرادة أهالي درعا عام 2011.

أما مقولة «الاشتراكية» فلقد أسقطها أفراد الأسرة الحاكمة إذ أصبح لسوريا (22 مليون نسمة) متعهد واحد لاستيراد البضائع هو السيد رامي مخلوف (ابن خال الرئيس) ومتعهد واحد للأشغال العامة في سوريا وهو السيد ذو الهمة شاليش (ابن خالة الرئيس).

أما مقولة «تحرير فلسطين»، التي تشكل الجزء الجنوبي لسوريا على حد تعبير الرئيس حافظ الأسد فلم تكن إلا شعاراً يبرّر لنظام الاستبداد السياسي في سوريا أن يتحكم مجموعة من ضباط المخابرات فيه، علويون غالباً، بحياة الشعب السوري أفراداً ومجموعات على مدى أربعين عاماً.

أما محاولة ضم لبنان لسوريا تحت شعار «شعب واحد في بلدين»، فقد أسقطها الشعب اللبناني يوم انتفض انتصاراً لدماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 إذ تم تحرير لبنان من النظام الأمني اللبناني السوري.

أما مقولة «الأب القائد»، فقد أسقطها السيد الرئيس حين أمر الجيش السوري بضرب المظاهرات السلمية التي كانت تجتاح الساحات العامة في كل يوم جمعة تحت شعار «حرية، كرامة» وقتل حمزة الخطيب. 

وبعد أربع سنوات من انطلاق الثورة السورية، تقتل فصائل غير سورية، «كحزب الله» مثلاً، أبناء الشعب السوري بإمرة من ضباط الحرس الثوري الإيراني. هؤلاء الضباط الذين يتحكمون، ليس فقط بما تبقى من الجيش السوري بل بقرارات القصر الجمهوري في سوريا أيضاً. فشرعية الرئيس السوري اليوم ذات مصدر أحادي مفرد هو القرار الإيراني. ولا مصدر سواه.

والقرار الإيراني هو ما عبّر عنه السيد علي يونسي «بأن بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية» وما أكده وزير الخارجية الإيراني بمقولته «منطقة الخليج الفارسي الأوسع» التي يبني على أساسها ديبلوماسيته في التعاطي مع قضايا العراق وسوريا ولبنان واليمن.

فإذا كانت المقولات الإيديولوجية حول «الوحدة والحرية والاشتراكية« قد أسقطها النظام السوري بنفسه، فإن خضوع القصر الجمهوري في سوريا للقرار الإيراني قد أفقده شرعيته السياسية، ليس فقط تجاه من تبقى معه من أبناء الشعب السوري بل ما تبقى له من داعمين دوليين كروسيا مثلاً.

من هنا نجد أن السيد دي مستورا، مندوب الأمم المتحدة إلى سوريا، ذاهب إلى دعوة إيران إلى المشاورات المنوي عقدها في جنيف في الأسابيع المقبلة. فقد أصبح النظام السوري ورقة بيد إيران للتفاوض عليها في المحافل الدولية. وهذا ما قد يدفع بروسيا للبحث عن حل للأزمة السورية من خلال مجلس الأمن بالعودة إلى مقررات جنيف واحد، أي بإلزام السلطة السورية بالقبول بحكومة انتقالية كاملة الصلاحية. فهل يكون توقيع إيران على الاتفاق النووي في 30 حزيران عام 2015 هو التاريخ المحدد لإطلاق مشاورات في مجلس الأمن حول قرار بشأن الحكومة الانتقالية؟

فبعد أن تم الاتفاق المبدئي بشأن الملف النووي مع إيران، وقّع الرئيس الأميركي باراك أوباما، اتفاق تدريب المعارضة السورية المعتدلة مع تركيا، بالشرط التركي، وهو أن تقاتل هذه المعارضة، ليس فقط تنظيم «داعش» بل أيضاً النظام السوري.

وقامت المملكة العربية السعودية بحملة «عاصفة الحزم» ضد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والحوثيين. وطالب رئيس الوزراء العراقي السيد العبادي إيران باحترام السيادة العراقية وقامت البوارج الأميركية بحماية مضيق هرمز وتم منع السفينة الإيرانية من الوصول إلى اليمن إلا بعد مرورها بجيبوتي لتأخذ شرعية أممية لإيصالها مساعدات إنسانية إلى اليمن. وخلال قمة كامب ديفيد بين الرئيس الأميركي ودول الخليج صرّح الرئيس أوباما بأن «إيران دولة راعية للإرهاب وعليها التوقف عن محاولة زعزعة الاستقرار في دول المنطقة».

فما بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران غير ما قبله. 

وسوريا الجديدة قد تحافظ على المصالح الاستراتيجية لروسيا فيها، إن في المجال العسكري أو في مجال الطاقة ولكن لا دور لإيران فيها ولا لأدوات إيران في المنطقة. لقد عبّرت الكاتبة الأميركية اليهودية التي عاصرت النازية الألمانية(Hanna arendt) خير تعبير عن أنظمة الاستبداد السياسي وأساليب عملها وأدواتها وأنماط قيمها في كتابها «في العنف».

فنظام الاستبداد السياسي، يتحول إلى آلية لإنتاج العنف على المستويات الاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية كافةً إلى جانب المستوى السياسي. وهو يقوم على ايديولوجية شمولية، تقارب الايديولوجية الدينية من حيث قدسية مفاهيمها وأدواتها. وهو نظام كلي لا يحتمل التجزئة. فإما أن يربح كل شيء في كل مجال أو يخسر كل شيء في كل مجال. «فلا تسوية محتملة مع أنظمة الاستبداد السياسي» على حد تعبيرها.