IMLebanon

بين نزوح سوري إلى لبنان ونزوح لبناني إلى الخارج

من جديد، يختلط الحابل بالنابل في أية قضية يطرحها أي من الأطراف اللبنانيين على نطاق البحث والتشاور واتخاذ القرارات، ومن جديد وفي قضية النازحين السوريين إلى لبنان بصوره القسرية والإنسانية والوطنية والقومية، تقف الطروحات متعددة الرؤوس والألسنة والمواقع المتناقضة والمتناهضة، فإذا بنا أمام جملة من المواقف بينها موقف يبرز مساوئ وأخطار، وضعية تغلغل الجانب الإرهابي ضمن خبايا مخيمات النازحين العشوائية والبعيدة عن الحد الأدنى من التنظيم والمراقبة الفعالة والتوثيق الشامل الذي يمكن ان ندرأ به أوضاعا صعبة، منها على سبيل المثال، آلاف الولادات السورية لأطفال خلقوا على هذه الأرض اللبنانية وباتت أوضاعهم القانونية والإنسانية والاجتماعية ونظرة المجتمع المحلّي والدولّي إليهم وإلى مصيرهم، تدعو إلى جملة من التساؤلات التي أصبحت تغمرنا بالتحسب والقلق وتوقّع نتائج سلبية، بدأت تدخل منذ الآن في حسبان كثير من اللبنانيين، وهذا الموقف كما تظهره التصريحات ووسائل الإعلام المختلفة التي جاءت على شيء من التحريض والتنصل من الحد الأدنى من الموجبات المعنوية تجاه مواطنين سوريين حلّت عليهم نكبة النظام السوري ومطامح الطامعين بالأرض والثروات السورية وإيديولوجيات مذهبية تخدم الرغبات الخارجية الساعية إلى وصل لبنان بالجوار العربي وصولا إلى طهران، وكل ذلك أسهم بالنتيجة في خراب سوريا، أرضا وشعبا ومؤسسات، وأدى إلى الحال المأساوي الذي بات النازحون السوريون يتخبطون في مآسيه، كما جعل من لبنان بأرضه وشعبه ومؤسساته، بلدا مرشّحا هو الآخر، إلى التلاقي مع مآسي المنطقة وأخطارها والمصير الملتهب الذي تكتوي بنيرانه.

كل ذلك، يدعونا جميعا إلى وقفتين متلاحمتين متلازمتين: الأولى قومية ووطنية تأخذ بالاعتبار وضع النزوح السوري وثقل أعبائه ومعاناته على مواطنيه الذين أغرقتهم الظروف القاسية في لجّة المأساة وعرّضتهم إلى أهوال المعاناة والتشّرد، والثانية تدفع بنا جميعا إلى وجوب تأمين معالجة سريعة وحاسمة للوضع المتفلّت الذي تمثلّه الجماعات الإرهابية، بعد أن باتت متغلغلة على امتداد المخيمات العشوائية للنازحين (وعددها يناهز 2000 مخيم) وهي كامنة ومستترة في تلك المخيمات وفي حالة تأهب قصوى لارتكاب جرائم ارهابية تم التصدي إلى بعض تداعياتها على نحو ما حصل في جرود عرسال وما تكشّف فيها وفي كثير سواها من المناطق عن عناصر كامنة ومتآمرة على الوضع الأمني اللبناني وقد سبق لها أن اختارت شهر رمضان المبارك لاختراق قداسته وطهارته وروحانياته من خلال تفجيرات أعدّت لأكثر من جهة وأكثر من هدف حساس، الأمر الذي بات يستدعي يقظة حقيقية من جميع اللبنانيين، بكل طوائفهم ومذاهبهم، ومن جميع النازحين بكل يقظتهم وتنبههم إلى ما يرسم الإرهاب الذي تلقى في المرحلة الأخيرة ضربات قاصمة تكاد أن تقضي عليه بالكامل، وأن تدفع بجموعه الإجرامية إلى خارج مكامنها وبعيدا عن الأرض السورية والعراقية التي احتلتها، أرضا وشعبا بريئا أنهكته المآسي والشجون، وكانت في طليعة المنكلين به وصولا بالمستوى الإجرامي إلى استعمال المواطنين أطفالا وشيوخا وما تيسر لهم من بشر في مناطق الاحتلالات الداعشية الكبرى والصغرى، كدروع بشرية، ألحقت بهم موتا وظلما وخرابا لا يُحدّ ولا يوصف، وتزداد أخطار هؤلاء، خاصة على بلادنا التي ما زالت حتى الآن تنعم بأمن واستقرار نسبي بفضل جهود الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، وبفضل المظلات الأمنية والسياسية المختلفة التي نصبت في أجوائنا وعلى أرضنا، وسيكون سهلا على الداعشيين الذين فرّقتهم الهزائم وأطلقتهم فرادى وجماعات صغيرة في كل مكان، ولبنان المجاور لأماكن الاحترابات الرئيسية في كل من سوريا والعراق يبقى هدف هؤلاء الأقرب إليهم والاسهل وصولا إليه، فكيف بنا إذا ما كانت بنيته التحتية الكامنة في أكثر أماكن النزوح وفي سواها، تنتظر ما ومن يطلقها في أماكن حسّاسة من هذا الوطن الحسّاس، ساعيةً إلى أهدافها الإجرامية من خلال الأحزمة الناسفة والتفجيرات الغادرة وأعمال القتل والتدمير المختلفة التي بتنا نشهد نماذج لها في كل مكان من العالم وصولا إلى البلدان الأوروبية ونواح مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية.

لذلك كله، فإن الداعين إلى وجوب إيجاد حل لمأساة النازحين السوريين وإشكالات ومشاكل نزوحهم على مجمل الارض اللبنانية، أصبحوا جميعا على حق في الدعوة إلى تكثيف الجهود والمساعي الرامية إلى تأمين عودة مدروسة ومشغولة وآمنة لأولئك الذين دفعت بهم الأقدار وظروف المنطقة ومآسيها إلى هذه الأحوال المأساوية، وربما كان ما نلمسه في بعض الأماكن السورية من عودة إلى حد أدنى ومعقول من الأحوال الطبيعية، يشدّ من عزيمة الجميع على المساعدة في السير الحثيث في هذا النهج، يدفعنا منذ الآن إلى اعتبار أن من يقتضي أن يكون في طليعة الساعين لهذا الهدف الإنقاذي الملح، كل من حزب الله، والتيار الوطني الحر، الذين تربطهم بالنظام السوري علاقات وثيقة، خاصة وأن حزب الله مساهم أساسي في الحروب السورية التي أدّت إلى ما أدّت إليه من أهوال التشريد التي استفحلت على مجمل الأراضي المجاورة لسوريا وفي طليعتها، لبنان بقليل امكاناته، وبضيق أرضه وبتراجع أوضاعه الإقتصادية والمعيشية ولسوء أوضاع أبنائه، خاصة الشباب الطالع منهم الذين تكاد أبواب المستقبل ونوافذه وثغرات التنفس الحياتي فيه أن تضيق عليهم ومن حولهم وتدفعهم للسعي إلى الهجرة بأي ثمن بحثا عن عيش كريم فإذا بهم أمام أوضاع أمنية واجتماعية وسياسية مستجدة، باتت تسود العالم بأسره، وتحول ما بينهم وبين خطى الهجرة إلى معظم أنحاء الدنيا الواسعة والتي كانت تهلّل لهم وتستقبلهم على الرحب والسعة ونظرا لما يسود العالم كلّه، بما فيه العالم العربي من مخاطر ومطبات ومزالق، فإن ذلك كله قد تقلّص إلى حدود كبيرة، دفعت كل بلد وكل مجتمع حيثما كان إلى الانقلاب على ذاته وإقفال الباب الذي تجيء منه الريح، ليستريح، وتبقى المأساة الكبرى تصيب البلدان الصغرى بطاقاتها وامكاناتها ومساحات أراضيها المحدودة، ولبنان هو اليوم مع الأسف، في طليعة تلك البلدان، وإلى النافخين في لهب دعوة الحكومة اللبنانية إلى مفاوضة النظام السوري حول مصير ضحاياه من السوريين الذين شردهم في مشارق الأرض ومغاربها، ندعوهم إلى مطالبة هذا النظام الذي يواكبونه ويحلون مكانه في حروبه ومظالمه بأن يعرض عليهم بالذات، ما لديه من حلول قابلة للتنفيذ، خاصة وأن الدعوة المستعجلة وبالشكل والتوقيت الذي أطلقت فيه، تدعو إلى شبهة كبرى بأن المقصود منها، المساهمة في إعادة النبض إلى النظام القائم، في إطار المحاولات المستقتلة والمتسارعة في هذه الأيام، لإعادة نبض الحياة إليه وان لبنان بمعظم جهاته وفئاته يرفض أن يكون مدفوعا به إلى المشاركة في مثل هذه المحاولات.