الموقف الحاسم الذي اتخذه رئيس الجمهورية من تمسك حزب الله توزير أحد النواب الستة «المستقلين» في الحكومة العتيدة طرح مصير تفاهم «مار مخايل» الذي كان وراء وصول العماد عون إلى الرئاسة الأولى، الا إذا كان تمسك الحزب من قبيل التكتيك كما وصفه رئيس الجمهورية لأسباب لم يكشف النقاب عنها حرصاً منه على التحالف الاستراتيجي، بينهما، ما من شأنه أن يترك كل الابواب مشرعة للوصول إلى حل يوفق بين ما يطالب به الحزب وما يريده هو.
فالرئيس عون يريد الانتهاء من المراوحة القائمة في شأن تشكيل الحكومة، ويعتبر أن الرئيس الحريري وفريقه القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي إذا صح التعبير قدما كل التنازلات لتسهيل مهمته في تأليف الحكومة وبات يتعين علي فريق رئيس الجمهورية والمقصود هنا حزب الله ان يحذو حذوهم حتى تبصر الحكومة العتيدة النور ويطوي هذا الملف الذي يعيق انطلاقة العهد في حال استمر مفتوحاً بسبب الشروط والشروط المضادة، أو لأي سبب آخر، يصب في مصلحة هذا الفريق أو ذاك.
وإذا كان الحزب اكتفى حتى الآن بالصمت، فليس ذلك، لأنه سيظل متمسكاً بموقفه حتى ولو أدى ذلك إلى إبقاء الأزمة الحكومية مفتوحة إلى ما شاء الله، ويكون بذلك قد ضحى بالعهد وانقلب على تفاهم مار مخايل الأمر الذي يستبعده رئيس الجمهورية بناء على ما سبق ان اتخذه الحزب من مواقف لدعم وصوله إلى رئاسة الجمهورية.
ومن هنا، لا يراهن الرئيس المكلف على تصدع العلاقة بين العماد عون وحزب الله، ولهذا السبب علق كل اتصالاته ومشاوراته مع الكتل النيابية وذهب الى فرنسا للاستجمام والراحة تاركاً لرئيس الجمهورية مهمة معالجة الوضع مع حزب الله، وفي ذات الوقت حرص على ان يقفل الباب في وجه الحزب، وفي وجه كل من يفكر بتوزير أحد النواب الستة في الحكومة العتيدة في الوسط السياسي تفسيرات كثيرة لتمسك حزب الله بتوزير أحد النواب الستة، وفي مقدمة هذه التفسيرات ان الحزب يريد من وراء ذلك تأمين الثلث المعطل لرئيس الجمهورية أو ان يضمن الثلثين المقررين في الحكومة العتيدة مما يخدم رئيس الجمهورية الذي طلب في الاساس ان تكون الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات النيابية حكومة العهد الأولى وهذا معناه انه يريد حكومة منسجمة تشكّل فريق عمل واحد برئاسته فعلياً وليست برئاسة رئيس الحكومة كما يفترض ان يكون وفق كل المواثيق السارية المفعول منذ ابرام اتفاق الطائف قبل أكثر من ربع قرن، ومثل هذا الاستنتاج يطرح أكثر من علامة استفهام حول المشهد السياسي الجديد الذي فرضه الموقف الذي اتخذه حزب الله وأدى إلى تجميد البحث في تشكيل الحكومة أو الى فتح الباب مجددا على أزمة وزارية مفتوحة ما لم يقدم الرئيس المكلف مزيداً من التنازلات على حساب وجوده وموقعه ودوره كرئيس للحكومة يتمتع بكل الصلاحيات التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني. الأمر الذي لا يزال مستبعداً بالرغم من كل ما قيل عن ان موقف الحزب من توزير أحد النواب الستة استراتيجيً وليس تكتيكياً كما فسّره رئيس الجمهورية.