لم يخطئ في التشخيص، من رأى في اجتماع طهران لوزراء الدفاع الروسي والايراني والاسدي قبل ايام، مناسبة استعراضية اكثر من كونها اشارة خطيرة ستترك تداعياتها على الارض في سوريا.. كما لم يخطئ في التشخيص من وجد في تخرّصات وتهديدات بشار الاسد في خطابه الاخير، تماثلاً مع تهديدات نظيره الليبي السابق معمر القذافي عشية اندحاره الأخير!
حتى الوظيفة الشكلية التي أُريدت من اجتماع طهران «العسكري» لم تعمّر طويلاً: بقي معطى تطور العلاقة الاسرائيلية الروسية وقرب انطلاق اول مناورات عسكرية مشتركة بين الطرفين(!)، أهم بما لا يُقاس من خبريات الماكينة الممانعة التي تحدثت عن تطورات دراماتيكية واستراتيجية آتية من حلب واريافها! وبطريقة لن تترك امام المعارضة المسلحة وداعميها، مجالاً لالتقاط انفاسها وضبضبة اوضاعها ومحاولة تنظيم خسائرها قبل الفناء والاندثار والاندحار الأخير!
وذلك في المبدأ، وقبل السياسة والعسكر، أمرٌ لا ذرة أخلاق فيه، ولا شبهة فروسية، قبل ان يكون فعل مناورة متعارف عليها في الحروب وفي نطاق التهويل والتطبيل والضغط النفسي والاعلامي على العدو.. وجزئية انعدام الاخلاق والفروسية هذه تحتاج الى توضيح طيّار وسريع: لم تخجل الممانعة وابواقها ومذيعو نشراتها التعبوية في لبنان (والمهجر!) من الشروع في بناء مناخ يفيد بأن اجتماع طهران الثلاثي العسكري الذي جاء بعد يوم واحد على انتهاء القمة الاسرائيلية الروسية في موسكو! اتخذ «مقررات» خطيرة تحظى بضوء اخضر كبير، لا يمكن ان تكون واشنطن بعيدة عنه، طالما ان تل ابيب وافقت عليه.. وان ذلك في جملته، سيعني تسونامي لن يكون في مقدور أحد الوقوف في وجهه!
واقع الحال في كل حال، يدل على ان اسرائيل حاضرة في غرفة عمليات الممانعة في حميميم وغيرها وتواكب تطورات الميدان السوري بالتفصيل الممل، ولن يكون غريباً الافتراض ان شعاعها وصل الى طهران وعلى اكتاف الروس من جهة، وتقاطع المصالح من جهة ثانية!
لكن برغم ذلك كله، تبيّن سريعاً، ان تبخيس المناخ الايراني الاسدي وتنفيس مفاعيله جاء على ايدي الروس قبل غيرهم، وقبل ان تفرض وقائع الميدان بعض شروطها: في مقابل نشر سيناريوات الصواعق العسكرية والتحريرية في حلب واريافها، نشر الروس خبراً فعلياً (ومفاجئاً) مفاده اعلان هدنة لمدة ثمان واربعين ساعة بداية، ثم طلب هدنة «طويلة» لاحقاً! وفي مقابل توعّد بشار الأسد بانطلاق مسيرة التحرير شبراً شبراً، انفجرت بين شبيحته وحلفائه قصة كبيرة على خلفية اتهامات بالتخاذل والانهزام وغيرها من المصطلحات الصعبة والقاسية والمريرة! والتي تدل في العموم، على تراكم سلبيات لا توصل الى أي مكان يبحث عنه الاسد!