IMLebanon

بين تل أبيب وبغداد، الأردن على الحافة

كشفت تقارير صحافية، النقاب، عن تفاصيل صفقة الغاز المنتظرة بين الأردن وإسرائيل. الصفقة سياسية بامتياز، أطلق فكرتها ورعاها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بوصفها آلية من آليات العملية السلمية، وتمتين الروابط بين الدولتين في إطار الحل النهائي للقضية الفلسطينية. وطوال المباحثات للاتفاق على الصفقة، لعب السفير الأميركي السابق لدى عمان ستيوارت جونز دور الوسيط الدؤوب بين الطرفين، كمهمة سياسية.

منذ الاحتلال الأميركي للعراق، العام 2003، يعاني الأردن من أزمة متفاقمة في مجال الطاقة؛ وبينما كان يحصل على البترول من بغداد، بسعر رمزي، أوقف المحتلون هذا الامتياز عن حليفهم الأردني! ورفضت واشنطن، أيضا، الضغط على السعودية لتسوية فاتورة النفط الأردنية الباهظة، وأخيرا، وجهت غرفة العمليات الأميركية ـــ الخليجية، وبمساهمة أردنية! ــــ ضربة لأمن منطقة غرب العراق، المحاذية للأردن، من خلال دعم «الثورة السنية» التي ما فتئت» داعش» أن سيطرت عليها؛ بذلك، أصبح مشروع خط نفط البصرة ــــ العقبة، الذي أطلقه رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، على الرفّ.

تتعرّى، إذاً، تفاصيل السياسة الأميركية الخاصة بالأردن: ممنوع ارتباطه الاقتصادي الحيوي، بأي عمق عربي، سواء أكان من محور الاعتدال أم من محور الممانعة. في المقابل، بتعاضد النفوذ الأميركي وقوى الفساد الداخلي، معاً، لجرّ البلاد إلى بديل وحيد هو الارتباط الاقتصادي والأمني بإسرائيل، في سياق حل للقضية الفلسطينية، يقوم على كونفدرالية ثلاثية واقعية، تجمع الأردن وفلسطين تحت السيطرة الإسرائيلية؛ هل يعرقل اعلان دولة فلسطينية هذا المسار؟ كلا، بل يمتّن أسسه السياسية. الاقتصاد الفلسطيني مرتبط، أولا، بالاقتصاد الإسرائيلي، وثانيا، بالاقتصاد الأردني؛ يبقى ربط الأردنيين بالإسرائيليين، لتنشأ الثلاثيّة.

شعبياً، تتصاعد حركة المعارضة الأردنية ضد اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي، وبدأ نوّاب بالتحشيد لطرح الثقة بحكومة الدكتور عبدالله النسور، على خلفية إصرارها على السير قدماً في ابرام الاتفاقية التي كان البرلمان قد صوّت، في قرار ملزم، على وقفها.

هنالك ثلاثة اعتراضات أساسية على اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي؛ أولها سياسي، يرى أن تلك الاتفاقية ستزيد القيود على حرية القرار الوطني إزاء كيان معاد؛ وثانيها أمني، يرى أن أنبوب الغاز الإسرائيلي ــــ الأردني، سيكون، مع استمرار الصراع العربي ــــ الصهيوني، عرضة للتفجيرات، مما يجعل ديمومة التزوّد بالطاقة، محل شك، ومما يفرض تعميق التنسيق الأمني بين الجانبين، وثالثها اقتصادي، يؤكد على وجود بدائل محلية ــــ وخصوصا الزيت الصخري والطاقة البديلة ــــ قد تكون أكثر كلفة، ولكنها تضخ الحيوية في الاقتصاد الوطني، وتعزز استقلاله.

تردّ الحكومة بأن تفاقم العجز في الموازنة العامة لا يسمح بالاستمرار بدعم الكهرباء، بينما تحويل تكاليف الانتاج الباهظة على الشركات والمواطنين، سيضغط على حركة الاقتصاد ومستوى المعيشة. كان الأردن يتزوّد، حتى العام 2011، بالغاز المصري بسعر رمزي هو دولاران ونصف الدولار للوحدة، لكن سلسلة انفجارات في خط الأنابيب، وتزايد الحاجة المصرية للغاز المحلي، أنهى مرحلة الغاز الرخيص. ويشتري الأردن الآن غازا قطريا بسعر 15 دولارا للوحدة، بينما تعرض إسرائيل، سعرا ثابتا لمدة 15 عاما هو سبعة دولارات ونصف للوحدة، مما يوفر على البلاد، حوالي مليار ونصف المليار دولار في العام، خصوصا وأن حقل «لفيتان» على شواطئ فلسطين المحتلة، يحتوي بشكل مؤكد على 540 مليار متر مكعب، ما يجعل استمرار تزوّد الأردن بالغاز من هذا الحقل، مضمونا طوال فترة الاتفاقية التي تمتد لخمسة عشر عاما.

يمكن الردّ على الطرح الحكومي بالآتي: (1) هناك ارتفاع في تكاليف انتاج الكهرباء، ناتج عن خصخصة شركات التوليد التي تحصد الأرباح على حساب الخزينة والاقتصاد الوطني معا، هذا بالإضافة إلى الهدر الفني والهدر الناتج عن الفساد، (2) هناك بدائل محلية لم تجر مناقشتها بشكل جدي، (3) هناك العرض الإيراني بتزويد الأردن، بالطاقة، بأسعار تفضيلية، وأهملته عمان، ارضاء للولايات المتحدة، وللسعودية التي ترفض، قطعياً، تزويد الجار الأردني ــــ الذي يحرس قسما كبيرا من حدودها، ويمشي في ركبها السياسي ــــ بالنفط إلا بأسعار السوق، (4) هناك البديل الاستراتيجي العراقي، الأكثر واقعية والأقلّ كلفة، والذي يمكن تطويره، على نطاق واسع، لدى بناء إطار من التفاهمات السياسية مع بغداد، خصوصا بعد التغييرات الحاصلة في تركيبة الحكم لما بعد المالكي؛ فهل ينجح النسور الذي يزور العراق للبحث «في ملفات الأمن والنفط والتجارة والنقل وتدريب الشرطة والجيش»، في وضع البديل العراقي على السكة، أم أن واشنطن والرياض ستتدخلان، مجددا، لمنع التكامل بين البلدين؟