من المؤكد ان الوحشية المفرطة التي اعتمدها داعش في حرق الطيّار الأردني الأسير وقبله ذبح المواطنين اليابانيين، وبينهما عملية سيناء الاجرامية، ضد أحد مواقع الجيش المصري، وضعت التحالف الدولي، والدول العربية خصوصا أمام ظاهرة اجرامية عقائدية تستحضر دولة الحشاشين وزعيمها الشيخ الجبل التي حكمت سوريا بالشعوذة والقتل، في القرن الخامس الهجري، ردحاً من الزمن.
هذا التنظيم الدموي المأخوذ من نصوص دينية قابلة للتأويل، ومبنية على الافتراض، محمي في الواقع بالتباطؤ الأميركي والتوسّع الايراني، فضلاً عن التلاشي العربي القريب من العدم.
بعض الفلاسفة الغربيين يرون ان غاية الدين في التحليل النهائي، هي الحياة، الأطول والأغنى والأفضل، وان حبّ الله، هو في التحليل الأخير حبّ للحياة.
وبعض الناس يرون في الدين طريقهم الى الله، والبعض الآخر يرون في عبادة الله سبيلهم الى الانتفاع به…
ومثل هذه الظواهر العنيفة لا تنمو في التربة الصالحة، وتترعرع في ظروف الكبت، وتنطلق بأجنحة الظلم، لتواجه ما تعتبره ظلماً بما هو أظلم.
فعندما تستقيل الشعوب من أدوارها، أو تغيب عن الوعي، بكمّ الأفواه أو ربط الألسنة أو تخدير العقول، تحل الخرافات محل العلم، وتفسير الأحلام محل يقظة الوعي، واعتماد الأبراج في تحديد معالم المستقبل، بدل العقل والادراك، والاقتناع بتوقعات قرّاء الطالع على شاشات التلفزة، رغم قناعتهم بالآية الكريمة: كذب المنجمون ولو صدقوا…
هذا الفراغ أو الخواء، يسمح للآخرين بالتمدّد وأخذ دور من تخلّوا عن دورهم، لنصل الى ما نحن فيه وعليه في العالم العربي، حيث اسرائيل من أمامنا، وايران وتركيا من خلفنا أو من حولنا، وليس لنا إلاّ أن نقتل بعضنا بعضاً.
وعندما تستقيل الشعوب من دورها، تظهر جماعات مجازفة لا تشعر بالانتماء إلاّ لذاتها ومصالحها على حساب المجتمع العام.
هذا الجنون الضارب أطنابه في العالم العربي، وعلى تخوم لبنان الشرقية والشمالية اليوم، لا يمكن أن يولّد أفضل من داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات الجهادية أو المنادية بالجهاد من أجل فلسطين والقدس.
واللافت وفق تحليل الخبراء ان هذا المستوى الرفيع من الاجرام الممارس في سوريا أو العراق أو سيناء، ضد الأسرى أو العسكريين، هو بنظر الخبراء، سلاح داعش السرّي المضاد للانخراط العربي في صفوف التحالف الدولي. وبحسب المخابرات الألمانية فان مصير كل جندي أو ضابط عربي يعمل تحت راية التحالف ويقع أسيراً كالطيّار الأردني، القتل بأبشع وسائله… انها سياسة الارعاب وليس فقط الارهاب.
هذا النمط المتوحش يعكس اعتبار هذه التنظيمات، ان كل من يقاتلها عربياً كان، أو مسلماً ومن أي مذهب، خائن أو مرتد ويستحق الحد في الاسلام، أي الموت، لا الأسر…
واللافت أن مشيخة الأزهر الشريف، اعتبرت فعل هذه التنظيمات واقعاً تحت حكم الحرابة أي الارتداد، وبالتالي ان عقوبة هؤلاء البغاة الذين يفسدون في الأرض أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف! تماماً كما يفعل الدواعش مع الآخرين.
هذا الموقف، رغم دوافعه المبررة والناجمة عن فجور الخطب المرتكب سمح لبعض رجال الدين بالتوقف والتأمل وتمني المراجعة، ليس رأفة برؤوس واقدام وايدي هؤلاء الناس، انما حدباً على الدين الحنيف من مثل هذه الاعمال، وتجنباً لمنحها الشرعية الفقهية… اذ كيف تدين قطع الرؤوس والاطراف والحرق والغرق، ثم تطلب الايقاع بمن قتل وقطع وحرق، بمثل ما انتقده منتقدوه عليه؟ أليس في هذا شيء من الموازاة بين التعاليم الدينية والخارجين عليها؟ أم هي نظرية داوني بالتي كانت هي الداء… والتي يرد عليها بالقول: لا تنهَ عن عمل وتأتي بمثله…
حاشى أن يكون الأزهر الشريف غافلاً عن كل هذه المدلولات، لكن سيل الاجرام والمجرمين بحق الاسلام والمسلمين، قبل سواهم، قد بلغ الزبى. فكان لا بد من رفع صوت الشرعية الاسلامية الأزهرية، على هذا النحو الذي يتطلب توضيحات فقهية، حتى لا نضع السيف في موضع الندى، في هذه المسألة المتصلة بروحية الدين وجوهره.
والمطلوب وضع حكم الحرابة بيد الجيوش المعنية بحماية مجتمعاتها وأوطانها والوقوف خلف هذه الجيوش، بالدعم والدعاء، مع توعية الضالين المضللين على انه ما هكذا تورد الإبل وتتحرر الأوطان…