يتساءل احد الاوساط المسلمة المتابعة لشؤون الملف الارهابي في الشرق الاوس، هل يمكن القضاء على «داعش»؟ سؤال يجب أن تتوقف عنده القيادات العربية طويلا، في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة من تاريخ البشرية، وإذا كان البعض لم يدرك بعد بأن العالم اجمع يعيش لحظات حاسمة في تاريخ الإنسانية خصوصا كل مسلم يعيش على هذا الكوكب حيث لم يعد يفرق بين المسلم «الارهابي» والمسلم «المتنوّر»، لذلك عليهم إعادة النظر والتأمل. ومعظم المسلمين في العالم يعلمون جيدا أن «داعش» لا تمثل الإسلام، وأنها في الغالب وهمّ مصنوع له مآرب أخرى، ولكن هل يكفي هذا الشعور، والصراخ ليلا ونهارا بسماحة الإسلام، وصناعة الأفلام وتدبيج المقالات لتقديم صورة مغايرة لما رسمه «داعش» عن هذا الدين الكريم؟
وتضيف الاوساط أن تاريخ الحركات الإسلامية مترسخ في هذه المنطقة، ولكنه بدأ في أخذ شكل سياسي واضح مع ظهور جماعة «الإخوان المسلمين» عام 1928، أي بعد خمسة أعوام من سقوط آخر دولة إسلامية: الإمبراطورية العثمانية. فشل الجماعات الإسلامية في مواجهة التحديات التي واجهت الأمة، وعلى رأسها حركة التغريب في المجتمعات العربية والهزائم المتتالية أدى لظهور أعداد متزايدة من الحركات ذات التوجهات الإسلامية. ومع الإحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تصاعدت وتيرة نشأة هذه الحركات بشكل غير مسبوق، وكانت حركة التوحيد والجهاد أحد أهم تلك الحركات التي صعدت إبان تلك الحقبة، في عام 2004، أقسمت حركة التوحيد والجهاد تحت إمرة «أبو مصعب الزرقاوي» الولاء للقاعدة وأصبحت منذ ذلك الحين تعرف بإسم القاعدة في العراق، إلا أنه وبعد مقتل الزرقاوي عام 2006 أصبح التنظيم يعرف بإسم الدولة الإسلامية في العراق، ومن ثم أصبحت الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش». وبعيداً عن أي نسف تاريخي، أضحى «داعش» أهم تنظيم في المنطقة، بعد أن اخترق العديد من الدول، وتسلل عبر حدود دول أخرى ليسجل حضورا في ما يقارب العشرين دولة حتى الآن.
وتتابع الاوساط بان المصادر الغربية التي استطاعت الدخول إلى مناطق نفوذ «داعش» تصور الحياة هناك بشكل مغاير لما يعلمه الكثر. فتقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بأن «تنظيم الدولة» تفوق على النظامين العراقي والسوري في إدارة المناطق التي يحكمها، فبعد سنوات من الحروب الأهلية والفوضى وعدم الاستقرار، إستطاع أن يفرض تنظيم الدولة الأمن في المدن السورية والعراقية، بل ان الطرقات باتت أكثر نظاماً ونظافة، وأصبحت الأعمال والمتاجر تعمل بانتظام، مصادر غربية أخرى جاءت بذات النتيجة، بل وأكدت بأن تنظيم «الدولة الاسلامية» يدير المدن التي يحكمها كأي دولة أخرى، فيصدر بطاقات هوية، ورخص قيادة سيارات، وتصاريح عمل، بل وأكثر من ذلك لدرجة أن التنظيم يقوم بتطوير البنى التحتية ويحارب الفساد ولـ«داعش» برلمان خاص به أو مجلس شورى، ويبقى دوره إستشاريا محدودا في ظل الولاء الكبير الذي يبديه جميع أعضاء هذا المجلس لخليفتهم، حيث تبقى الكلمة الأخيرة والقرار النهائي له. عملت «داعش» أيضاً على تنظيم المناطق التي تحكمها عبر مؤسسات إدارية مختلفة- تشبه إلى حد كبير الوزارات، وأهمها الإعلام، والعدل والتعليم والأمن. اما في ما يخص الامن فتتم إدارته بطريقة تختلف عن باقي المؤسسات، حيث تعهد المسؤولية فقط لمن أظهر ولاء كاملا وتاما للتنظيم، ولا يتم قبول المتطوعين أو المجندين الجدد الذين لم يتم إختبار ولائهم للتنظيم في هذا الجسم الإداري الهام.
وتشير الاوساط بان تقديرات بعض المصادر الأمنية الأميركية تقول بأن عدد مقاتلي «داعش» كان ما بين 9000 إلى 18000 مقاتل قبل العمليات الجوية الدولية، فيما رأى رئيس هيئة الأركان العامة الروسية أن عدد مقاتلي التنظيم 70000. وتبقى هذه الأرقام متواضعة أمام التقديرات الكردية التي ترجح أن يكون عدد مقاتلي «داعش» 200000. وتشير الاوساط بان التنظيم أثبت عبر عمره القصير مدى قوته الإعلامية، وتطوره ومواكبته لأحدث التكنولجيا والعلم في هذا المضمار، ووفقا للتقديرات، فإن التنظيم يتحكم في أكثر من 90 ألف حساب تويتر للتغريدات، أي أنه شكل جيشا إعلاميا إفتراضيا يعكس قدرة إعلامية هائلة. كما انه إستطاع من جذب الدعم والتأييد لأيديولوجيته وفكره، وإستقطاب مقاتلين مما يقارب الـ100 دولة، وتشكيل خلايا في العديد من العواصم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ووفقاً لرأي الخبراء فإن استراتيجية هذا التنظيم تبنى على قاعدة البقاء ثم التوسع، فبعد أن استطاع التنظيم النجاح في مرحلة البقاء وترتيب أوضاع البقاع التي يسيطر عليها، بدأ بتطبيق المرحلة الثانية بالتوسع وزيادة مناطق نفوذه. ففي كتاب أنردو هوسكين بعنوان «إمبراطورية الخوف» في داخل «الدولة الإسلامية»، يكشف الكاتب هوسكين عن مخطط «داعش» التوسعي في خمس السنوات المقبلة، حيث يطرح التنظيم خريطته للنظام العالمي الجديد وتضم دولته اسبانيا واليونان وبقية دول البلقان والهند والنصف العلوي من أفريقيا. يبدو جلياً أنه وفي الوقت الذي يتحرك هذا التنظيم بشكل مدروس ومخطط، تفتقد القوى الكبرى والإقليمية رؤية واضحة حيال التعامل مع هذا الأمر. أما الدخول الروسي الأخير في المنطقة فأهدافه باتت واضحة وتتعدى كثيراً أسبابه المعلنة، فالدخول بعدد غير كبير من الجنود لن يؤدي بطبيعة الحال إلى إنهاء تنظيم «داعش»، حيث أن جميع المعدات والتقنيات والعتاد الذي نُقل من روسيا إلى سوريا لا يعدو عن كونه وسائل قتالية جوية ودفاعات أرضية لن تنهي التنظيم الذي لا يمتلك في الأصل طائرات أو مواقع عسكرية كبرى يمكن استهدافها بهذه التقنيات.
وتختم الاوساط بانه على العرب أن يكونوا على قدر المسؤولية التاريخية، وأن يعيدوا النظر والتأمل في حالهم وما وصلوا إليه، وأن يتصدر رجال الله الواعين والعارفون المشهد ليلموا الشمل، ويعيدوا القوة للعقل والمعرفة، ويوحدوا الأمة كافة. والاسلام اليوم بحاجة ماسة لنصر «الله» وليس هو من يحتاج اليهم، فسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وإذا لم يكن الاسلام منهم فهم الخاسرون.