المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في بيروت، وقبلها بستة أشهر تقريبا، وتحديدا في ٣٠ كانون الثاني الماضي، زار الرئيس الألماني فرانك فالتر شتنماير بيروت، والتقى الرؤساء عون وبري والحريري، كما فعلت المستشارة الحديدية أمس واليوم.
وهذا إن دلّ، فعلى أمرين أساسيين: اتساع الدور الألماني عبر الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة التي تشارك البحرية الألمانية بقواتها العاملة، تحت راية القرار الدولي ١٧٠١ في جنوب لبنان، والاهتمام الذي توليه برلين للعلاقات مع لبنان والشرق العربي عموما.
ولا يقلل من أهمية هذه الزيارة، كونها ليست حصرا بلبنان، لأنها شملت الأردن أيضا، في ظلّ وحدة الأهداف في كلا البلدين، وهي قضية اللاجئين السوريين الذين يشكّلون هاجسا مقلقا للأوروبيين عموما وللألمان خصوصا، ما يدفعهم الى حصر معالجة قضايا عودة هؤلاء الى بلدهم بالأمم المتحدة، ممثلة بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بخلاف ما ذهب اليه.
وفي جعبة السيدة ميركل خمسماية مليون يورو، ونصيحة للبنان، بتجنّب العبث الكيفي والعشوائي، بقضية اللاجئين السوريين، على غرار ما حصل مؤخرا، والى مضاعفة الجهود لتسريع تشكيل الحكومة على قواعد تخدم استمرار التعاون مع مؤسسات المجتمع الدولي.
وواضح من الوفد الاقتصادي المرافق للمستشارة الألمانية، ان للعلاقات الثنائية اهتماما خاصا لدى حكومة برلين، كما للجانب اللبناني الرسمي والخاص. خصوصا وان تاريخ العلاقات اللبنانية الألمانية، والعربية الألمانية، خال من الضغائن.
ونقرأ في كتب التاريخ ان أول زيارة لزعيم ألماني للشرق شملت لبنان وتحديدا قلعة بعلبك، كانت للامبراطور ويليهام الثاني الذي يعرفه العرب باسم غليوم الثاني الى الشام في العام ١٨٩٨ بدعوة من السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، حيث أحضر معه اكليلا برونزيا وضعه على ضريح صلاح الدين الأيوبي، وقد استمر الاكليل في مكانه حتى دخل البريطانيون دمشق واستولى على الاكليل الضابط الانكليزي المعروف بلورنس العرب، كغنيمة حرب.
وعلى هامش تلك الزيارة وقعت حادثة ذهبت مثالا على وعي الأقدمين، قياسا على تدني مستوى وعي المعاصرين، فقد لفت حمار أبيض اللون، زوجة الامبراطور، أثناء زيارتها لقلعة الشام، وطالبت من الوالي ان يأتيها به لتأخذه معها الى المانيا، ولما عرض الأمر على صاحب الحمار ويدعى ابو الخير تلو، رفض بيعه للامبراطورة، وغم الاغراء بالذهب، وقال للوالي: عندي ستة أحصنة جياد، اقدمها للامبراطورة بلا ثمن، أما الحمار فلا!
وسأله الوالي ولماذا؟ فأجاب: ستكتب صحفهم وسيسألهم الناس من أين هذا الحمار؟ وسيكون الجواب من الشام، ويصبح الحمار شاميا، علما ان في الشام ما هو أرفع شأنا وقدرا…
الوالي نقل الجواب الى الامبراطور والامبراطورة، وكان اعجاب وفوقه وسام للذي فضل سمعة بلده على انتفاخ جيبه.
والأمل بأن تجد المستشارة ميركل، في بيروت ما يلفت انتباهها، غير ما وجدت زوجة الامبراطور: ان تجد موقفا لبنانيا متجاوبا مع الرؤيا الدولية لموضوع النازحين، بعيدا عن المغامرة بمصير هؤلاء، وسط هذا المناخ العاصف في جنوب سوريا وشمالها.
والأمل ايضا أن تسهم زيارتها بتفريج كرب الحكومة اللبنانية، التي قد تدق ساعتها في اللقاء المنتظر بين الرئيسين عون والحريري في بعبدا السادسة من مساء اليوم.