IMLebanon

بين جنّة «الرجعية» وجحيم «التقدمية» 

«اني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدود جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجود» (المتنبي)

 

في أواسط القرن العشرين قسمنا نحن اليساريون والتقدميون الثوريون عالمنا العربي إلى قسمين، قسم سميناه الرجعي وآخر التقدمي. 

الأنظمة التقدمية كانت تلك التي كان يدعوها الرفاق في الإتحاد السوفياتي المأسوف عليه بالأنظمة «ذات التوجه غير الرأسمالي!»، وهو تعبير عن تلك الأنظمة التي انقلب ضباطها على الحكام وأسسوا ديكتاتوريات متسلطة في أحسن الأحوال، ومتوحشة في كثير من الأحيان. تلك الأنظمة كانت تضم مصر عبد الناصر والعراق وسوريا البعثيين وليبيا القذافي واليمن الجنوبي وفي أوقات كان الصومال والسودان يلبسان الثوب التقدمي ومن ثم يخلعانه. 

كنا نظن في تلك الأيام أن الخير كله يأتي من التقدميين، والشر يأتي من الرجعيين، وكنا نزيد على الرجعية بقولنا «المتحالفة مع الصهيونية والإمبريالية«.

اليوم وبعد سبعة عقود من التجارب المرّة علينا أن نعتذر ونكفر عن كل ما حملناه من زور واضطراب في الرؤيا. كل ذلك بعد أن رأينا كيف حولت أنظمة العسكر التقدمية بلدانها إلى سجن كبير ومعتقل للحرية والأحرار فقادوا مجازر بحق النمو والإبداع والفكر المنفتح بعد أن هجروا كل ذي فطنة وكبرياء وتركوا الموالين والتافهين. 

هذا لا يعني أن الأنظمة الأخرى لا تحتاج إلى تطوير، ولكن على مستوى الخير والشر، فبمراجعة بسيطة في لبنان لما خلفته الرجعية العربية بالمقارنة مع التقدمية علينا أن نشعر بالأسف على أنفسنا من أوهامنا وكلامنا وشتائمنا التي وجهناها للدول الرجعية.

في لبنان، وربما منذ اليوم الأول للإستقلال، اعتبرته تلك «الرجعية» وطنها الثاني، وأصبح الملاذ للتمتع بفسحة من الحرية والفرح.

أما التقدميون فوجدوا في حرية لبنان مجالات واسعة للعبث بالأمن ولتصدير الأزمات.

ويكفي مراجعة ثورة واتفاقية القاهرة وحرب واحتلال النظام السوري ودعمه لاحقاً ما يسمى المقاومة وحملات التصفيات والمتفجرات التي سجلت عامة في خانة الأنظمة التقدمية ومتفرعاتها.

بالمقابل كانت الأنظمة الرجعية تتسابق للسعي إلى الحلول وإعادة الإعمار ودعم المشاريع وتسليح القوى الشرعية وبناء الجسور والمدارس… 

كل ذلك خطر على بالي اليوم في وداع الملك عبد الله الذي كان له هو بالذات الباع الأطول في دعم الإستقرار في لبنان بتعاليه حتى عن الإساءات الشخصية من قبل صعاليك الأنظمة التقدمية وحلفائها في لبنان. 

أما على مستوى القضية الفلسطينية، فقد كانت مبادرة الملك عبد الله سنة للسلام التي أطلقت في القمة العربية في بيروت، المساهمة العربية الأكثر منطقية ضمن بحر من الشعارات الفارغة والحملات العنترية والمبارزات الإعلامية والشتائم والبطولات الدونكيشوتية التي انتصر فيها القادة التقدميون آلاف المرات على إسرائيل، ولكنهم كانوا يؤجلون الحسم إلى اللحظة المناسبة. يعني أن مقولة حسن نصر الله باختيار المكان والزمان المناسبين للرد على الإعتداءات الإسرائيلية ما هي إلا ترداد لتسجيلات قديمة للزعماء التقدميين. 

شتان ما بين خير «الرجعية« العربية وشرور التقدمية !

()عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»