IMLebanon

بين الإنقلاب التركي ومجموعة «الإنقلابات اللبنانية المتّحدة»

 

لعل الرئيس أردوغان وحكومته الجديدة كانا البادئين بالإنقلاب الذاتي على السياسة التركية التي انتهجاها طوال الأعوام الماضية دون أن يصلا بعملياتها الإنقلابية إلى حدود الإنقلاب على الركيزة الأساسية للحياة السياسية التركية والتي تمثلت باعتماد المبادىء الأساسية للنهج الديمقراطي رغم ما اعتورها من ثغرات وشطحات، كما تمثلت برفض لغة الإنقلابات العسكرية التي أصبحت محصورة بدول العالم الثالث الأكثر تخلّفا ورجعية، وقد بدأ انقلاب الرئيس أردوغان على نفسه وعلى نهجه من خلال انعطافاته السياسية الأخيرة التي اتسمت بالمباغتة وحدّة التكويع، كما كان الأمر مع «المصالحة» التركية – الروسية و«المصالحة» التركية – الإسرائيلية وبدايات «النقوزة» من خلف الحدود ما بين أنقرة ودمشق، ربما توطئة لتكويعة مباغتة جديدة، الأمر الذي خلق في الأوساط التركية المختلفة بعضاً من الإجواء المتسائلة والمعترضة، وكانت المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي حصلت في تركيا ذلك الحدث الضخم الذي أكّد على حقيقة ملموسة، مفادها أن أي انقلاب في أية دولة يتطلب لتحقيقه أمرين متلازمين:

1) وضع داخلي متأفف ومعارض يحضّر في مقوماته الشعبية والعسكرية لانتفاضة مسلحة تصل إلى حدود الإنقلاب.

2) دعم خارجي للحركة الإنقلابية تحضيرا ودعما وتنفيذا.

ويبدو أن محاولة الإنقلاب التركية لم تشذ عن هذه القاعدة سواء من خلال الإعلان التركي الرسمي بأن المعارض (الكيان البديل) فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا هو الذي أعد لهذه المحاولة، وهو مطلوب استرداده من قبل السلطات التركية لضلوعه قديما وحديثا بأعمال تحريضية وتخطيطات إنقلابية، وقد أكدت السلطات التركية بأن الدولة التي لا تعيد إلى تركيا مثل هذا المتآمر المتلطي بالحماية الأميركية، هي دولة معادية كائنا ما كانت درجة مزاعهما بأنها دولة حليفة، الأمر الذي بات يضع الموقف الأميركي في موضع الإشتباه من قبل بعض المراجع الرسمية، ومن بينها مراجع وزارية تركية وسط نفي واحتجاج على هذه التصريحات والتسريبات من قبل السلطات الأميركية وصولا إلى التنبيه الشديد من أن يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر بالعلاقات الأميركية- التركية.

من ناحية أخرى، لقد اتّسم الإنقلاب العسكري التركي منذ بداياته بروائح الإرتجالية والإفتقار إلى دواعي النجاح، كما كان الشعب التركي باتجاهاته كافة وتضامن مواطنيه وأحزابه وفئاته المذهبية والعرقية في مواجهة الإنقلاب المهتز منذ حصوله، ظاهرة حديثة النشوء شكلاً ومضموناً، وقد فاجأ الأتراكُ العالم كله بهذه الدرجة المتقدمة التي تحلّى بها الشعب التركي في تصدّيه الشامل لمحاولة الإطباق على عنق الوطن ومحاولاة إعادته إلى موقع بعيد عن حضارات هذه الأيام، إلى مكبات الدكتاتوريات التي باتت بلادنا تحفل بها وتعاني من نتائجها، وما زال وجودها ينخر في أجسام البلدان المتأخرة، وفي طليعتها معظم البلدان العربية.

ولا بد من الإشارة إلى أن الشعب التركي بكل مكوناته كان بطلا حقيقيا ورئيسيا في تصدّيه للمحاولة الإنقلابية، فهو الذي طَلبَ إليه الرئيس أردوغان النزول إلى الشارع وحماية بلاده من خيانة الخائنين، وهو الذي نزل بألوفه المؤلفة، في شوارع المدن الصغرى والكبرى وفي زوايا وخبايا القرى والمناطق التركية، وهو الذي قاوم السلاح الإنقلابي بصدور أبنائه العارية، وهو الذي شارك رجال الأمن في القبض على الإنقلابيين، وهو الذي وصل الليل بالنهار «وما يزال» دفاعا عن مصالح ومصير وطنه فكان له الفضل الرئيسي في حماية بلاده من مغامرة جديدة كان يمكن أن تعيد تركيا، وطنا واقتصادا وقوة عسكرية مسافات بعيدة إلى الوراء.

ختاما، من المفيد، المقارنة بين الإنقلاب في تركيا، الذي دام لبضع ساعات، واسقطته جميع فئات الشعب بمواقعها واتجاهاتها كافة، ومجموعة «الإنقلابات» الحاصلة في لبنان منذ سنوات عديدة، دون أن تجد من يردَعُها، حاملة في جلابيبها مجموعة انقلابات، في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء، وملحقات لها في أزمات النفايات ومستتبعاتها المؤسفة، ومشكلة النفط والغاز التي لم تنطلق حتى الآن إلاّ ببعض الخطوات، بينما هي أملٌ لبناني متوقّع لحلّ المعضلات والمشاكل الإقتصادية المستفحلة التي تمنع الحلول عن كل مواقع الوطن المصابة بالضعف والإهتراء.

مقارنة «بريئة» بل غاية في «البراءة» بين محاولة الإنقلاب التركية التي فشلت، والحركات الإنقلابية اللبنانية المزمنة والمتكاثرة التي تلازمنا منذ سنوات، بجملة من الأمراض والأخطار، وهي تحاول أن «تناضل» من أجل مصالحها ملقية بنفايات مواقفها في وجه الوطن كلّه والمواطنين جميعا.