Site icon IMLebanon

بين إعلان مضايا وإعلان بيروت ـ دمشق!

عشر سنوات وستة أشهر٬ تفصل بين صدور إعلان مضايا وصدور شقيقه إعلان بيروت ­ دمشق. الأول أصدره مثقفون لبنانيون في بيروت أوائل يناير (كانون الثاني) ٬2016 والثاني أصدره مثقفون لبنانيون وسوريون بالتزامن في بيروت ودمشق بدايات يونيو (حزيران) 2005. وسط تمايزات بين الإعلانين٬ ومشتركات جوهرية تجمع بين الاثنين.

في تمايزات الإعلانين٬ أن إعلان مضايا صدر في بيروت وحدها٬ لأن شقيقتها دمشق غارقة في غمار حرب النظام على السوريين٬ وليس بمقدور دمشق وسط الدم والدمار أن تشارك في إصدار وثيقة تدين نظام القتل والتدمير وحلفاءه٬ كما أن اقتصار صدور إعلان مضايا على مثقفين لبنانيين٬ دون أقرانهم السوريين٬ كان بسبب غرق الأخيرين في أعماق الحرب٬ موزعين ما بين مقتول ومعتقل ومصاب ومشرد. والتمايز الثالث٬ هو اختلاف زمن صدور الإعلانين٬ إذ صدر إعلان بيروت ­ دمشق في وقت كانت سمته نهوض قوى وشخصيات في وجه الاستبداد والديكتاتورية وأدواتها٬ فيما يصدر الثاني عشية بداية العام السادس من المذبحة السورية٬ التي تشكل رأس جبل جليد لمذابح صارت شائعة في أكثرية البلدان العربية٬ يتشارك في صنعها إرهاب الدولة الذي تمارسه أنظمة بينها سوريا وإيران وروسيا والعراق مع إرهاب الجماعات المتطرفة من حزب الله اللبناني إلى «داعش» و«النصرة» وميليشيات الحشد الشعبي العراقي في قتل الشعوب.

إن الأبرز في معنى الإعلانين خروج مثقفين من قلب النار على زمن الصمت واللامبالاة السائد في عموم المنطقة٬ ليقولوا كلمة حق في وصف ما يجري والحكم عليه٬ والتصويب نحو ما ينبغي أن تكون عليه الحال من مواقف تصب في المصلحة العليا للبلدين والشعبين وعموم المنطقة في مواجهة تمدد الاستبداد والإرهاب٬ وشيوع القتل والتدمير وسط شعارات استهلكت وانكشف زيفها وكذبها.

لقد بدا من الطبيعي في الإعلانين وصف حالة التردي العام٬ حيث أشار إعلان بيروت ­ دمشق إلى ما جرى في الواقع اللبناني عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام ٬2005 وما أعقبه من اغتيالات في صفوف النخبة اللبنانية٬ وما تركته من تأثيرات سلبية على العلاقات السورية ­ اللبنانية٬ فيما أشار إعلان مضايا إلى ما يحصل في سوريا من جرائم٬ يتم القيام بها ضد الشعب السوري٬ يشارك فيها «لبنانيون» تحت شعارات وحجج لا صلة لها بالواقع٬ كما في حالة حصار مضايا وتمويت أهلها٬ الأمر الذي يؤثر سلًبا على العلاقات السورية ­ اللبنانية بنقلها من علاقات الأخوة والتعاون إلى علاقات الصراع الدموي.

وكما في مثال إعلان بيروت ­ دمشق الذي أخلى مسؤولية السوريين عن تدخلات نظام الأسد في الشؤون اللبنانية٬ ورفضه ما تمخض عنها من نتائج٬ فإن إعلان مضايا أخلى مسؤولية الشيعة اللبنانيين٬ عما يقوم به حزب الله من جرائم في سوريا٬ لا يتحملها شيعة لبنان٬ بل هم يرفضونها ويدينونها بكل المعايير٬ وهي حالة تكاد تتماثل مع محتوى إعلان بيروت ­ دمشق في موقفه من ممارسات نظام الأسد في لبنان.

وبعيًدا عن وصف الحالة٬ وإعلان البراءة مما يجري من جرائم٬ فقد خطا إعلان مضايا نحو معالجة ضرورية بمطالبته بانسحاب فوري للمسلّحين اللبنانيين (وليس الشيعة فقط) المتدّخلين في الحرب السورية إلى جانب النظام٬ نتيجة ما يلحقه ذلك من جرائم وأضرار على العلاقات الثنائية للشعبين٬ وهو ذات المسار الذي كان يؤدي إليه تدخل نظام الأسد في لبنان حسبما تضمنه إعلان بيروت ­ دمشق٬ معلًنا رفض التدخل السوري في الشؤون اللبنانية.

ولم يقف إعلان مضايا عند حدود الانسحاب من الشأن السوري٬ إنما ذهب إلى الأعمق في الدعوة «إلى تفعيل الحل السياسي٬ الضامن لوحدة سوريا وشعبها٬ وانسحاب كل القوى المتدّخلة في الشأن السوري٬ وترك الشعب السوري٬ بأطيافه وتشكيلاته٬ يقّرر مصيره وحريته»٬ وهي دعوة تتقارب مع ما أشار إليه إعلان بيروت ­ دمشق عند تحديداته مصير الشعبين اللبناني والسوري٬ بالقول «نصُّر على أن سيادة نظم ديمقراطية في البلدين تشكل أفضل ضمانة لقيام ورسوخ علاقات  متكافئة وسليمة بينهما. لكننا نتمَّسك٬ في الآن ذاته٬ بحق الشعبين في أن يختارا٬ بكامل الحرية٬ النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يتلاءم وتطلعاتهما من دون أي إكراه».

بين إعلاني بيروت ­ دمشق ومضايا زمن طويل زاد على عشر سنوات ونصف السنة٬ لكن روابط الإعلانين كثيرة٬ والأبرز فيها٬ أن مثقفين يحملون هم بلادهم٬ يتابعون ما يجري فيها وحولها٬ ويؤشرون إلى مواطن الخطر فيما يجري٬ ليس باعتباره حدًثا راهًنا فقط٬ إنما باعتباره حدًثا يتطور إلى المستقبل٬ تارًكا آثاره السلبية على البلد ومواطنيه وعلى ما يجاوره من بلدان وشعوب٬ الأمر الذي فرض على مثقفي الإعلانين٬ توصيف الحدث وبيان آثاره٬ وضرورة الخروج منه٬ ثم رسم ملامح الطريق الأفضل لتجاوزه٬ ولعلها النقطة الأكثر أهمية في إعلاني مضايا وبيروت ­ دمشق.