يتواصل ديبلوماسيون اجانب كثر مع “حزب الله” حول مسائل داخلية عدة ويتحدثون عن هامش داخلي كبير يتمتع به الحزب في تقرير الاتجاهات السياسية في لبنان والبعض منهم لا يخفي اعجابا ضمنيا بماكينة حزبية منظمة تتعاطى بذكاء مع المعطيات السياسية الداخلية وتسعى الى توظيفها لمصلحتها. هذا الهامش تدفع في اتجاهه ايران بالذات التي قالت لمراجعيها في موضوع انتخابات الرئاسة اكثر من مرة ان هذا الامر يعود للبنانيين ولحلفاء الحزب كما لقرار الاخير كما ان الامين العام للحزب حاول اكثر من مرة تأكيد هذه النقطة بالذات. لكن الواقع انه بات صعبا جدا الفصل بين استقلالية الحزب والمواقف الايرانية . فالجانب الداخلي المتعلق بالحزب انزلق او انسحق تحت عنوان تمثيل ايران والتعبير عنها. والمثال على ذلك انه فيما يجهد الحزب مرة بعد مرة لتثبيت تمسكه بالعماد ميشال عون كمرشح وحيد للرئاسة أو يعيد المتصلين به الى العماد عون نفسه، فان الديبلوماسيين انفسهم يحوّلون انظارهم واتصالاتهم في اتجاه ايران لفك عقدة الانتخابات الرئاسية باعتبارها ورقة تتحكم فيها طهران ويوظفها الحزب لمصلحتها حتى اوان استثمارها في ما يخدم اهدافها والحصول على الثمن المقابل ليس لمصلحة الحزب ضرورة بل في اي مكان آخر. فمع ان الصلة بايران مثتبة ومعروفة منذ اعوام ما عبر عن نفوذ ايران المتمادي على حدود اسرائيل وعلى البحر المتوسط عبر نفوذها على الحزب، فان الهامش الذي ضاق جدا امام هذا الاخير اقله علنا كان في انخراطه في الحرب الى جانب النظام السوري مقحما لبنان في تداعيات خطيرة ومساهما في تسخير الوضع اللبناني لمصلحة ايران والمحور الذي ينتمي اليه الحزب. فالمسألة حين كانت مرتبطة بالصراع مع اسرائيل، فان خطوط الفصل لم تكن مطروحة نتيجة اعتبارات متعددة لا مجال للدخول فيها. لكن الاوراق باتت تلعب على المكشوف في الحرب السورية ولم يعد في امكان الحزب الا أن يلعب الدور الموكل اليه ولو على حساب لبنان ومصلحته. على هذا الاساس باتت مواقف الامين العام للحزب بمثابة المنارة التي تضيء على الموقف الايراني من جملة المسائل المشتعلة في المنطقة اكثر من أي شيء آخر. وهو على اي حال لا يبذل الكثير لنقض أو لنفي ذلك بل على العكس خصوصا اذا كان احد أبرز عناوين الدفاع عن بشار الاسد هو ابقاء طريق الامداد والنفوذ الايراني مفتوحا عبر العراق وسوريا الى لبنان، مما يجعل هذا العامل ابرز عناصر المكاسب التي ستسعى ايران الى ضمانها في أي تسوية تتصل بالوضع السوري.
ففي خطابات الاشهر الاخيرة للسيد نصرالله والتي ركز فيها على مسائل اقليمية من البحرين الى اليمن، لم يبد الحزب كقوة اقليمية مؤثرة مقدار ما بدا معبرا بالنيابة عن طهران. فما لم يقله مسؤولوها كان يتولى الامين العام للحزب قوله بما فيها تناوله المملكة العربية السعودية في مسألة تدافع الحجيج في منى والذي ذهبت ضحيته شخصيات ايرانية تفاوتت مواقعهم في السلطة في ايران أو الحرس الثوري فيما لم يسجل سقوط اي ضحية للحزب او من لبنان. في اي حال فانه في هذا الخطاب لم ير مراقبون سياسيون المسألة متعلقة بسقوط ايرانيين في منى مقدار ما رأوا فيه جملة امور من بينها انزعاجا ايرانيا ملموسا من مآل التطورات في اليمن (على رغم الاقتناع بان تقدم التحالف لن يعني استتباب الوضع له بسهولة على رغم المكاسب المادية والمعنوية) وتهديد ضمني في ضوء توافر معلومات على أي حال بان ايران لن تترك السعودية ترتاح في اليمن مهما كلفها ذلك وبعيداً من تسوية تشارك فيها. وثمة من رأى ايضا في هذا التصعيد الخطابي تغطية لتراجع في سوريا لا يمكن تجاهله. فمع ان روسيا تدخلت من اجل انقاذ بشار الاسد وهو ما رحبت به ايران وكذلك الامين العام للحزب، فان انقاذ الاسد على يد الروس يعني انه كان على وشك السقوط ومعه خسارة ايران والحزب لو لم تسارع روسيا الى القيام بذلك. فلا دخول روسيا العسكري لانقاذ الاسد يعني حكما انضمام روسيا الى محور “الممانعة” أو هو انتصار له خصوصا ان هذا الانخراط يعني تدويلا للحرب الاهلية السورية واولوية لمصالح الدول الكبرى ونفوذها على مصالح الدول الاقليمية، ولا ان التسوية التي حصلت في الزبداني تعني ان الحزب خرج منتصرا على ما روج هو نفسه مع ما يعنيه ذلك في الحسابات العسكرية نتيجة استحالة انتصاره على تنظيمات اهلية سورية على الحدود مع لبنان اكانت توصف بالارهاب أو التكفير أو التطرف. فهذا الانتصار الذي كان يعد له في الزبداني ولم يحصل كما اعد للانتصار في القلمون ترك آثاراً بالغة ولو انه مر مرورا عابرا وسط الجدالات العقيمة في الداخل التي حولت الانظار عنه.
في تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون عن القرار 1559 الذي أعلن الحزب دفنه منذ زمن بعيد ويستمر قائما في أروقة مجلس الامن، اشارة من بان الى انخراط الحزب في الحرب في سوريا التي عطلت لبنان وتركت تداعيات كبيرة عليه. فهل من اهمية يعيرها الحزب لتحميله المسؤولية في هذا الاطار علما أن سفارة ايران كانت ابدت انزعاجا قبل أيام من تحميل ايران مسؤولية العرقلة في الانتخابات الرئاسية؟