Site icon IMLebanon

بين الخشية من الفوضى وانتخابات على نارها الحركة الشبابية تغامر بإهدار رصيدها الناشئ؟

أمسك الشباب اللبناني في التحرك الشعبي الذي اطلقه مستهدفاً الطبقة السياسية برمتها بناصية أمر بالغ الأهمية وهي مسألة تهديد سلطة القوى السياسية الممسكة بالوضع اللبناني من باب طوائفي لا يساهم سوى في تعزيز مرتكزاتها وقوتها بدعوى الدفاع عن هذه الطوائف ومصالحها. ولذا بدا التحدي في منطلقه مهدداً بالسقوط لولا أن الشباب استطاعوا أن يجذبوا الى تحركهم الآلاف من اللبنانيين الذين طفح كيلهم ورغبوا في توجيه رسالة الى المسؤولين والسياسيين لم تتقيد في الغالب بروزنامة عمل حركة “طلعت ريحتكم”. لكن رغم ذلك صب الحشد الشعبي في خانة هذه الحركة خصوصاً انه جذب اللبنانيين في الوقت الذي عجزت احزاب عن جذبهم الى شعاراتها من أجل التظاهر معها أو دعماً لمطالبها. إلا أن الحشد كان ايضاً بمثابة تحد باعتبار انه كان استثنائياً ولن يخرج عن هذا الاستثناء بمعنى صعوبة إمكان تكرار ما حصل السبت في 29 آب المنصرم. إذ ينبغي الاعتراف أن المجتمع المدني أربك الأوساط السياسية جميعها التي سارعت الى ابتكار وصفة حوار جديدة سرعان ما وجدت اصداء ايجابية لها من أجل محاولة نقل البلاد الى أفق آخر غير أفق الشارع واظهار جدية انتقد غيابها اللبنانيون في معالجة الخلافات السياسية وتسيير شؤون الناس. وهذا في ذاته يعد انتصاراً كبيراً للحركة الشعبية ولو أن السياسيين لم يودوا أن يظهروا انهم تحركوا تحت ضغط الشارع وان الأمور يجري التحضير لها منذ بعض الوقت. لكن اي طاولة حوار متعددة الطرف لم يتم اقتراحها قبل بدء التحرك الشعبي بل بعده وببرنامج عمل مرتبك ينزع الى محاولة ارضاء كل فريق سياسي. وتالياً فان الحركة الشعبية وقعت بين شاقوف اتهامها من جهة بأنها مدعومة من خارج ما من أجل التخريب على الوضع السياسي وفق ما عمد زعماء الى اثارة الشكوك في هذا الاطار، وسندان محاولة ركوبها من أجل محاولة النيل من الآخرين على أساس أن كل فريق سياسي أرادها لاتهام الفريق الآخر منزهاً نفسه عن المسؤولية في ما آلت اليه البلاد، على رغم أن حكم الطوائف والاستئثار بمقدرات الدولة من زعماء الطوائف هو نفسه في هذا الجانب أو ذاك، فيما يرزح جميع اللبنانيين تحت الحرمان من ابسط المقومات الضرورية للعيش الكريم. لذا كان التوجس من هذه الحركة ومحركيها وخلفياتها ومن امكان استغلالها لغايات سياسية قائماً في كل الاتجاهات ولا يزال انطلاقاً من أن استمرار الشغب لمجرد استمراره يثير الخشية من أن يؤدي الى الفوضى.

هل غامر منظمو الحركة الشعبية في التسرع بخطوة اقتحام وزارة البيئة؟ فمع أن هذا التصرف يلقي ضوءاً أكبر على الحركة ويجعلها تستقطب الاهتمام، فإن اقتحام الوزارة يخشى أن يتحول الى تطور يرتب تداعيات سلبية تنعكس سلباً عليها. فحين أعلن منظمو الحركة مغادرة ساحتي الشهداء ورياض الصلح مساء السبت 29 آب وتركوا للرأي العام أن يميز بين تحرك المجتمع المدني والمشاغبين أو المندسين، فإنما وجهوا رسالة حظيت بتقدير كبير حول سلمية تحركهم. فالطابع السلمي هو الأساس والجوهر الذي يعطي الثقل لما يقومون به. ولا يعد اقتحام مؤسسة عامة واحتلالها حتى استقالة الوزير تحركاً سلمياً صرفاً، ولو لم يكن مسلحاً، كونه يطاول المس بحرمة مؤسسات الدولة. وبالنسبة الى الداعمين السياسيين خجلاً أو لفظياً للحركة الشبابية على أساس انها محقة في مطالبها، فان اقتحام وزارة البيئة يساهم في خسارتهم هؤلاء السياسيين. ومع أن الاستهداف مبدئي باعتبار أن المطلب بيئي، فان وزير البيئة كان يدير صراعاً سياسياً بين أفرقاء الحكومة حول ملف النفايات تماماً كما يفعل الرئيس تمّام سلام الذي يحسب عليه الوزير محمد المشنوق، وتالياً فان المطالبة باستقالته لا تقدم حلاً لملف النفايات خصوصاً انه تنحى عن ادارته. ومثل هذا التحرك يفقد الحركة الشعبية الزخم أو حتى التشجيع الذي حصلت عليه بين الناس نتيجة اثارة المخاوف من أن يكون التحرك مدفوعاً من أجل المسّ بمؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى، في حال نجاحه، أو المس بوزارات يتولى ادارتها وزراء من طوائف معينة. وفي أي حال، فان استهداف محمد المشنوق وحده بدا استهدافاً غير موفق للحلقة الأضعف بين وزراء القوى السياسية التي تملك القدرة الطوائفية على التصدي للمس بالمصالح تحت ادارتها. ومفهوم أن الحركة كانت تحتاج انتصاراً أو مكسباً من أجل تزخيم استمرارها ولم يشف تنحي المشنوق عن ادارة ملف النفايات من دون استقالته غليلها، لكنها كان يمكن أن تحول المكسب الصغير الذي تحقق الى مكسب حقيقي من أجل السير بروزنامة عمل جديدة على هذا الأساس، أي الدفع في اتجاه الاسراع بايجاد حلول وبمطلب يتناول ملفاً حيوياً آخر يهم اللبنانيين لأن التحديات تبدأ ولا تنتهي عند ملف النفايات فحسب. والتحرك لا يزال في أول الطريق ويحتاج الى توظيف قدرات جديدة لاجتذاب اللبنانيين من حوله. وكثر يخشون أن يكون اقتحام وزارة البيئة بداية لتداعيات سلبية على حركة شعبية بدا انها يمكن أن تنجح حيث فشل آخرون، ما لم تكن الفوضى التي يدفع اليها الوضع عاملاً قسرياً يدفع نحو انتخابات رئاسية يخشى كل طرف أن يكون الطرف الآخر يستغلها من أجل فرض مرشح انتخابي معين.