في خلال جلسة الحوار الثالثة عشرة بين «حزب الله» و«تيّار المُستقبل» صدر بيان جاء فيه «أنّ المجتمعين عرضوا للتطوّرات والأوضاع في البلاد، وجرى التأكيد على ضرورة إستمرار الحوار ومُتابعة الخطط الأمنيّة، وإيجاد المناخات الملائمة لعمل المؤسّسات الدستوريّة». وبعيداً عن التصاريح المنمّقة والدبلوماسية، عُلم أنّ جلسة الحوار الأخيرة تناولت الوضع في عرسال وإنعكاساته المختلفة على الداخل اللبناني، والمقاطعة اللاحقة لعمل مجلس النواب والحكومة في ظلّ إستمرار مقاطعة جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك مسألة التعيينات الأمنيّة، وكانت المناقشات هادئة نوعاً ما، ولوّ في ظلّ تباين كبير للأراء ولتبريرات كل طرف بالنسبة إلى نظرته إلى المواضيع الخلافية وسُبل مُعالجتها.
لكنّ كتلة المُستقبل النيابيّة التي عقدت إجتماعاً لها غداة جلسة الحوار الأخيرة هاجمت «حزب الله» بحدّة، مُعتبرة أنّ الأدوار المحلّية والإقليميّة التي يقوم بها «الحزب» هي التي تتحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية في نمو حركات التطرّف والتحوّل إلى العنف المدمّر، ومتهمة إيّاه بحصر دوره وأعوانه في لبنان بالجوانب السلبيّة عبر تشجيع إستمرار تعطيل المجلس النيابي والعمل الحكومي، ومحمّلة «الحزب» أيضاً مسؤولية التردّي الإقتصادي. وفي المُقابل، لم يُقصّر «حزب الله» وعبر لسان بعض مسؤوليه وفي طليعتهم نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في مهاجمة قوى «14 آذار» عموماً و«تيّار المستقبل» خصوصاً.
والحملات الإعلامية المُتبادلة بين «حزب الله» و«تيّار المستقبل» والتي تسبق الجلسات وتليها أيضاً، ليست بجديدة، بل تحوّلت إلى دُرجَة سائدة تتكرّر دوريا، بشكل جعل الأوساط الشعبيّة وحتى الإعلاميّة، تتساءل عن جدوى الحوار إذا كان كلّ طرف مُصرّاً على التصعيد الإعلامي وعلى تسجيل النقاط على الخصوم.
لكن وبحسب أوساط سياسيّة مُطلعة، إنّ الأحداث الإقليميّة تتجاوز قُدرة اللاعبين المحلّيين على إختلاف أحجامهم وقدراتهم، على التأثير في المسار العام الذي تسلكه المنطقة ككل، والذي سيتحدّد في الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، مع تبلور نتائج محادثات الجهات اليمنيّة في جنيف، ونتائج مفاوضات إيران مع الدول الغربيّة في لوزان، وجلاء غبار المعارك في كل من سوريا والعراق وغيرها من التطوّرات. وأضافت أنّه لا يجب تحميل جولات الحوار الداخليّة أكثر ممّا تحمله، حيث أنّ دورها يقتصر على السعي الدائم والمفتوح لتبريد الأجواء السياسيّة المُتشنّجة، ولمنع الإحتكاكات بين القواعد الشعبيّة المتخاصمة، وخصوصاً لنزع طابع النزاع المذهبي السنّي – الشيعي، وحصر الخلاف بطابعه السياسي العريض. ولفتت هذه الأوساط في الوقت عينه إلى أنّ المأخذ الفعلي على المُتحاورين، لا يتمثّل في عدم تحقيق تقدّم ميداني في المواضيع الخلافيّة الكبرى، مثل إنتخابات الرئاسة وجلسات مجلسيّ النواب والحكومة والتعيينات، إلخ… لأنّ حلّ هذه المواضيع يقتضي مظلّة إقليميّة وتوافقاً داخلياً واسعاً، بشكل يفوق قُدرة المُتحاورين أنفسهم. وأوضحت أنّ المأخذ الفعلي يتمثّل في الفشل في وقف الحملات الإعلاميّة المُتبادلة، على غرار ما حصل بين حزب «القوات اللبنانيّة» و«التيار الوطني الحرّ» مثلاً.
مصادر في «تيّار المستقبل» أكّدت أنّ «التيّار» سيبقى مُنفتحاً على الجميع، بغض النظر عن التصاريح المرفوضة التي تطاله، وبغض النظر عن الأفعال التي لا يُوافق عليها والتي يُصرّ «حزب الله» على المضيّ قُدماً بها، والتي «سنواصل إنتقادها إعلامياً». وأضافت أنّ «تيّار المُستقبل» دخل في جلسات تفاوض سابقة مع «التيّار الوطني الحُرّ»، ويواصل حواره مع «الحزب»، ولا مانع لديه بمحاورة أيّ طرف لبناني في كل الظروف ومهمّا كانت الخلافات عميقة، لأنّ هذا الأمر أفضل من القطيعة. وذكّرت هذه المصادر بعدم إنقطاع «تيّار المُستقبل» عن باقي الجهات السياسيّة في لبنان، وبتعاونه معهما، وبمشاركته الحكومات وإيّاها في عزّ مراحل الإنقسام والتباعد، بغضّ النظر عن الحملات الإعلامية التي تدخل في سياق اللعبة السياسيّة.
وعلى خطّ مواز، ذكرت مصادر قريبة من «حزب الله» أنّ هذا الأخير لن يُبادر إلى وقف الحوار مع «تيّار المُستقبل»، من دون أن يعني ذلك السكوت عمّا يراه يستوجب الردّ إعلامياً وسياسياً. وأضافت أنّ «الحزب» يرى في الحوار مصلحة لبنانية عُليا لن يقوم بالتفريط بها، خاصة أنّها تبقى صلة الوصل الوحيدة المُتاحة في ظلّ الظروف الراهنة.
وبالعودة إلى الأوساط السياسيّة نفسها، فهي توقّعت إستمرار الحوار بين «حزب الله» و«تيّار المستقبل» في المرحلة المقبلة، بالتزامن مع إستمرار التراشق الإعلامي بينهما. ورأت أنّ الإستحقاقات المُرتقبة في لبنان في خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة ستفتح باب التهجّمات السياسيّة والإعلامية على مصراعيه، الأمر الذي يستوجب تنفيس هذا الإحتقان في مكان ما. وأضافت هذه الأوساط أنّ جلسات الحوار المباشر بين «الحزب» و«المستقبل» تُمثّل هذه التنفيسة الضرورية للحفاظ على هدوء الشارع!
وختمت الأوساط السياسيّة المطلعة كلامها بالتشديد على أنّ جلسة الحوار الأخيرة بحثت في سُبل خفض سقف التراشق الإعلامي، لكنّ الجميع مُقتنع ضُمناً أنّ هذا الأمر لن يحصل، كون كلّ الأطراف يُطبّقون مبدأ «كلام الليل يمحوه النهار» من دون أن يدروا، أو ربّما عمداً وعن سابق تصوّر وتصميم، وذلك بهدف تقطيع هذه المرحلة في إنتظار نضوج التسويات!