كشفَت روسيا النقابَ عن معلومات تفيد «أنّ تنظيم «داعش» يُجري مفاوضات مع مجموعات متشدّدة بهدف الاندماج»، وذلك إثر إداركه بأنّه يواجه خطرَ الزوال من المناطق التي يُسيطر عليها، ما دفعه إلى تغيير تكتيكاته على رغم الانقسام المعلن مع تنظيم «القاعدة»، وفق ما قاله مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف.
اللافت في الأمر أنّ زعماء «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى يغيّرون من نهجِهم في القتال، حيث يرسِلون المقاتلين إلى اليمن وأفغانستان وأفريقيا، مؤسّسين من ذلك شبكةً إرهابية جديدة. لذلك، دعا بورتنيكوف الولايات المتحدة ودوَلاً أخرى، لتَركِ الخلافات السياسية للتقارب إلى الحدّ الأقصى لمكافحة الإرهاب.
إنّ دعوتَه هذه لن تَلقى تجاوباً في المدى المنظور بسبب الاختلاف في وجهات النظر بين الدول التي تدَّعي مكافحة الإرهاب. ففي حين يُشدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وبعض الدول العربية على أنّ النظام السوري هو منبَع الإرهاب الدولي، نجد النقيضَ في المواقف الروسية والإيرانية، لأنّه بحسب رأيهم، أنّ المعارضة السورية ومَن خلفَها هي من تُمارس الإرهابَ في حروبها، ولا سيّما في استخدامها للأسلحة الكيمياوية.
أمام اللاتلاقي في المفاهيم والممارسات بين الدول، يُلاحِظ المراقبون والمحلّلون السياسيون، أنّ العالم يسير ضمن موجتين متعاكستين، هما:
– الأولى، تتمثّل في فكرٍ إرهابي يتخفّى تحت عباءةِ الدين، فيضرب هنا ويُرهب هناك، مخلّفاً العشرات من القتلى والجرحى، مستغِلاً موجات النزوح ووسائل التواصل العولمية الحديثة، ليعبر الحدود الدولية، ويتغلغل داخل عواصم العالم منفّذاً أهدافَه.
– الثانية، تتمثّل في فكرٍ قومي مناهِض للعولمة يَحمل الدول إلى السعي نحو تحقيق أمنِها أوّلاً، عن طريق وقفِ حركة النزوح إلى أراضيها، واستئصال الفِكر التطرّفي من بعض مواطنيها. لذلك، أعطى الأميركيون الفرصة لترامب، حامِل شعار «أميركا أولاً»، وصوَّت البريطانيون للخروج من الاتحاد الأوروبي. وها هو الشعب الفرنسي أمام استحقاق انتخابيّ قد يُفاجئ كلَّ التوقعات، ويأتي بزعيمةِ اليمين الفرنسي المتطرّف رئيسةً للبلاد.
شهدَ العالم الحديث انفتاحاً في الحركية الكونية بعد سقوط الاتّحاد السوفياتي، والهجمةِ الليبرالية المتوحّشة على العالم، ما أوجَد حالةً من الإحباط عند الدول، بدأت تُترجَم اليوم في أشكال التحدّي للسياسة الأميركية وللنظام الليبرالي الموجَّه من شركات استعمارية عملاقة تتخطّى الحدود، في مشروع روسيا في المنطقة، أو صمود كوريا الشمالية شرق آسيا، على سيبل المثال.
لا يَملك العالم اليوم سياسة موحّدة في مكافحة الإرهاب، ولا نيّة حقيقية للقضاء عليه. لهذا سيتمدَّد الإرهاب وينتشر أكثر، حاملاً معه رؤيةً تدميرية لمستقبل الشعوب، طالما هناك:
– أطماع دولية تسعى لبسطِ السيطرة وفرضِ النفوذ، واستغلال الطاقات عند الدول الأخرى.
– وطالما هناك إرهابٌ من نوع آخر، وهو الإرهاب الاقتصادي الذي يمارسه مهندسو الشركات العملاقة المتحكّمة في سياسات بلادها، والتي تعمل تحت عنوان «الفوضى الخلّاقة»، إلى ضرب قوميّات الدول.
أخيراً، بات عالمنا المعاصر اليوم أسيرَ نزاع تيارات فكرية، تُترجَم في أعمال عسكرية قد تمتدّ خطورةً لتصبح حرباً شاملة، مدمِّرة تُستعمَل فيها الأسلحة النووية، كما هو حال تهديدات كوريا الشمالية، لأعدائها. فبَين الإرهاب العولمي الذي يتمدَّد ويتوسّع وبين توجُّهِ الدول نحو كينونتِها الأساسية، سيبقى النزاع قائماً طالما هناك اختلاف في الرؤية لأيّ عالم نريد؟
تُمثّل المنطقة العربية، من المحيط إلى الخليج، نموذجَ الحروب المستقبلية، حيث التقاتل يكون عولمياً على نفوذ محلية. ويبقى لشعوب المنطقة دفعُ الفاتورة الأكبر، على صعيد نزفِ الدم، والتدمير، والتهجير، هذا النموذج قابل لأن يُعمَّم على أي منطقة في العالم.