كلما أطلّ مستر أوباما للحديث عن المنطقة وأحوالها المتفجرة، يكرّر التركيبة اللغوية التي صارت جزءاً من خطابه وأدائه: الحرب مع «داعش» طويلة وتحتاج إلى سنوات.
في آخر استعادة له لهذه الأسطوانة المشروخة، قدّم بعض الشرح: «داعش» يختبئ داخل المدن! ولذلك فإن الحرب ضده ستطول! وكأنه يتحدث عن تنظيم لا مثيل لجبروته وقدراته! أو كأن الجيش الأميركي غير مؤهل لمواجهته، ولا يملك ما يكفي من وسائل وتقنيات لذلك! أو كأن معركة «عين العرب» (كوباني) مثلاً التي حرّرها المقاتلون الأكراد استمرت على مدى 10 سنوات وليس 10 أسابيع؟!
انطباعان يولدهما كلامه بالأمس في ذهن المتلقي العربي. الأول، هو أنه (مستر أوباما) يستمتع بتكتيكاته (الخبيثة!) وينتشي! ولا يكتفي بالتأكيد المرة تلوَ المرة، على سياسة الانكفاء السلبي التي يعتمدها إزاء القضايا الخارجية وخصوصاً قضايا المنطقة، بل يذهب متعمداً إلى الاستفزاز: ينفخ في صورة «داعش» بطريقة مسرحية وبما يليق فعلياً بعشرة أمثال «داعش» هذا دفعة واحدة.. ثم يبشّر شعوب المنطقة بأن معاناتهم مع هذا «البعبع» الاستثنائي ستكون طويلة وتمتد على مدى سنوات.
الانطباع الثاني، هو أن مستر أوباما يتدخل على الهواء مباشرة من واشنطن، في مفاوضات فيينا النووية، ويُخرج من بين أكمامه أرنباً يدعى «مصير الأسد» ويرميه على الطاولة أمام الوفد الإيراني المفاوض..
هكذا، بعد صمت مديد حيال ذلك «المصير» ترافق مع الحرص الشديد على تسريب التعليمات التي يقدّمها المدربون الأميركيون للمقاتلين السوريين «المعتدلين» من أن هدفهم هو محاربة «داعش» فقط! وبعد تكرار رفض السماح بأي إجراء (أي إجراء) لمنع الأسد من الاستمرار في استخدام براميله المتفجرة ضد المدنيين والأحياء السكنية، أو الموافقة على قصة «الملاذ الآمن» في الشمال، أو الذهاب أبعد في الحملة العسكرية التي انطلقت من الجنوب.. بعد ذلك كله وغيره أكثر منه، يعود مستر أوباما ليقول إن لا حل في سوريا يشتمل على بقاء الأسد!
ولأن صدقية تلك المواقف عند المتلقي العربي وصلت إلى مستوى متدنٍّ، فمن حقّ هذا، أن يسأل أوباما عن أي «حلّ» يتحدّث تماماً؟! طالما انه لا يتحرك بوصة واحدة إلى الأمام باتجاهه، ولا يترك غيره يتحرك؟
الواضح قبل ذلك، أنّ المفاوض الإيراني تلقّف الرسالة الجديدة وسارع إلى الرد عليها، ومن داخل منظومة النفاق ذاتها، بحيث إن نائب وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان قال بالفم الملآن لمحطة «سي.ان.ان»، ان بلاده «غير متمسكة» ببقاء الأسد في منصبه.. أي كأنه يرد الأرنب إلى صاحبه، أوباما، ويقول له إن المناورة في هذا الأمر لا تستحق إلا مناورة مماثلة.. والطرفان، في بداية المطاف ونهايته، يتقاتلان بالواسطة ويتفاوضان مباشرة، ويستخدمان في ذلك أوراقاً كثيرة من بينها الحديث عن «داعش» باعتباره قوة عظمى وجبّارة! وطرح «مصير الأسد» على الطاولة النووية! لكن في الإجمال، لا يبقى في ذهن المتلقّي العربي سوى الخلاصة القائلة، إن نكبته بالارهاب والممانعة الإيرانية، ما كان ينقصها كي تكتمل، إلا نفاق دولي وعلى أرفع مستوى ممكن!