Site icon IMLebanon

بين الملك والوطن… إختاروا  

 

 

الخوف سيّد الموقف في هذه الأيّام. أمنيّاً ونقديّاً وحتّى اجتماعيّاً، الكلّ خائف لا يأتي بأي تحرّك الا بحذر شديد. وإن قمنا بطمأنة النّاس فهذا يعني بأنّنا نضحك عليهم لأنّ ” البلد مش ماشي” ويجب أن يهتمّ الجميع بذلك. فعلى وقع التّكليف المعتور يسير قطار التأليف المتعرّج. ولا يلوح في الأفق سوى تسريبات غير مؤكّدة. هل سيستطيع الرّئيس المكلّف تجاوز هذه العراقيل كلّها؟ أم سيشكّل حكومة ميتة قبل ولادتها لرفع المسؤوليّة عن كاهله؟

 

أمنيّاً، لا يبدو أنّ الوضع مريح حيث تتمّ استباحة السماء اللّبنانيّة في كلّ مرّة يريد العدو الاسرائيلي توجيه صواريخه إلى الدّاخل السّوري، ليستهدف أعداءه المفترضين. فضلاً عن الانتقادات التي وجّهها بعضهم لأداء القوى الأمنيّة التي عاملت النّاس على قاعدة صيف وشتاء تحت سقف واحد. لكنّ المفارقة الواضحة في هذا الموضوع بدت من تقبّل النّاس لردّات الفعل جميعها على أمل ألا تتكرّر هكذا تصرّفات مجدّداً.

 

أمّا نقديّاً، فلم يكتف النّاس من طمأنة رئيس جمعيّة المصارف الذي خرج من اجتماع مجلس النوّاب مصرّحاً: “لا تخافوا الأزمة ستنتهي قريباً”. لكأنّهم يعيشون في غير كوكب ولكأنّ معاشاتهم التي وطّنوها في المصارف تعطى لهم كما يريدون ووقتما يريدون. وزاد خوفهم جهل حاكم مصرف لبنان بتسعيرة صرف الدّولار، ما ترك بلبلة عارمة إذ إن صاحب الشأن لا يملك جواباً.

 

كلّ شيء مرتبط بصدور موازنة 2020، وهذا الانتظار من دون استعادة النّاس والمجتمع الدّولي ثقتهم بلبنان عبر حكومة جديدة، تستجيب لطموحاتهم، لن يفضي إلى أيّ نتيجة. وهنا بيت القصيد. الأزمة الحقيقيّة باتت أزمة ثقة، ولن تحلّ إلا بتشكيل حكومة تستجيب لتطلّعات اللّبنانيّين والمجتمع الدّولي معاً. والحكومة المزمع تشكيلها استجابة لمطالب الأوصياء على لبنان، لن ترضي لا اللّبنانيّين ولا حتّى المجتمع الدّولي. على ما يبدو هنا ستكون سقطة الرّئيس المكلّف. وإن أراد تجاوزها ما عليه إلا أن يستجيب لمطالب النّاس والمجتمع الدّولي بتشكيل حكومة أخصّائيّين مستقلّين يشرفون على إنهاض البلاد من الأزمة الاقتصاديّة – النقديّة.

 

والمشكلة الكبرى التي لا تقلّ أهميّة عن السّابقتين اللتين أشرنا إليهما هي المشكلة الاجتماعيّة. لا يستطيع اللبنانيّون أن يبدّلوا في نمطيّة حياتهم الاجتماعيّة بين ليلة وضحاها. فهم اعتادوا على النمطيّة الرّيعيّة في الاقتصاد الذي اعتمد على السياحة والخدمات طيلة قرن من الزّمن. بينما اليوم، فرض الوضع الاجتماعي الانتقال إلى الاقتصاد المنتج الذي يبدأ بالاعتماد على الزراعة.

 

من هنا لن يستقيم الوضع الاجتماعي إلا باقتناع اللبنانيّين بضرورة تغيير نمطيّة عيشهم والهجرة العكسيّة من المدن نحو الأرياف للعودة إلى الأرض. ففرص العمل في المدن باتت شبه معدومة. لذلك تبرز ضرورة العودة إلى تفعيل الزراعة في الأرياف والجبال، لمواكبة التّغيير النمطي في الحياة الاجتماعيّة التي اعتاد عليها اللّبنانيّون لا سيّما بعدما نزحوا من جبالهم وأريافهم، إمّا طوعاً بهدف إيجاد فرص العمل في قطاع الخدمات في المدن، وإمّا قسراً نتيجة التّهجير الذي فرضه واقع الحرب الأهليّة البغيضة.

 

من هنا، يبدو أنّ الرّئيس المكلّف سيبقى عاجزاً أمام هذا الواقع الثلاثي الأبعاد بأزمته. والحكومة المسموح له أن يشكّلها ستولد ميتة لأنّها لن تستطيع معالجة أيّ من هذه المشاكل. وإن لم يتخلّ هذا الرّئيس ومعه العهد عن مكتسباتهم الشخصيّة لإنقاذ الوطن، فستصبح عندها المشكلة مشكلة وجوديّة تطاول هؤلاء كلّهم. لذلك على اللّبنانيّين جميعهم الاختيار: إمّا الوطن وإمّا الملك، على قاعدة الأغنية الرّحبانيّة القائلة: “إذا راح الملك بيجي ملك غيرو، وإذا راح الوطن ما في وطن غيرو”.