على وقع تطورات الأيام والأسابيع الماضية، ونزول الملفات المعيشية – الاجتماعية الضاغطة الى الشارع، وفي مقدمها ملف سلسلة الرتب والرواتب وتمويله، بعد قرار المجلس الدستوري وباجماع اعضائه أبطال قانون تمويل السلسلة، وعلى أبواب الانتخابات النيابية المقبلة المأزومة وقد أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق »ان الانتخابات النيابية المقبلة ستجري في موعدها.. وان الوقت – القصير الفاصل – ما عاد يسمح بانتاج بطاقة بيومترية في الأشهر القليلة المقبلة..« على وقع كل هذا، ظهر الى العلن العديد من التباينات بين الافرقاء المكونين لحكومة »استعادة الثقة«، دفعت مراقبين الى توقعات، ليس لها من سند قوي، خلاصتها »ان الحكومة قد تكون في خطر..«؟! خصوصاً وان مسائل عديدة أخرى بدأت تأخذ موقعها، ومن أبرزها حل مسألة النازحين السوريين الى لبنان و»كيفية ايجاد حل لهذه المعاناة الكبيرة«؟!
ليس من شك في ان الجميع يقر بأن الافرقاء السياسيين داخل الحكومة، ليسوا نسخة طبق الاصل، وكل فريق يعتصم بتحالفاته وقراءاته في الداخل، كما مع الخارج الاقليمي وغير الاقليمي.. وان اعتمدت الحكومة في بيانها الوزاري سياسة »النأي بالنفس« عن الصراعات والحروب والمحاور الخارجية، خصوصاً و»أن الجيش اللبناني حقق انتصارات كبيرة في مواجهات الجماعات الارهابية التي كانت تحتل جزءاً من الاراضي اللبنانية في السلسلة الشرقية..«.
ليس بالضرورة ان يتحول الاختلاف الى خلاف.. وقد أبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كما رئيس الحكومة سعد الحريري استعدادهما المضي في هذه الحكومة، باعتبارها »خطا أحمر« لا يمكن تجاوزه، خصوصاً وأن الظروف التي يعيشها لبنان، في محيط ملتهب لا تسمح »اللعب بالنار«.. والمطلوب هو توفير الامكانات اللازمة والضرورية لاجراء الانتخابات النيابية المقبلة، وقد أنجزت الحكومة قانوناً للانتخابات جديد وعنيف لجنة الرقابة عليها..
قد يكون من المبالغة القول ان سلسلة الرتب والرواتب، وما رافقها وما آلت اليه بعد قرار المجلس الدستوري، هي بمثابة »القشة التي قصمت ظهر البعير..« خصوصاً وان غير فريق لايزال عند قناعته، بأن »الجوامع المشتركة لازالت أكبر وأهم من الملفات الخلافية، او الموضوعات الخلافية، التي قد تكون داخل كل فريق من الافرقاء على تنوع اصطفافاتهم..
لا يختلف اثنان على ان الرئيس سعد الحريري، أظهر منذ ما قبل، وخلال ترؤسه الحكومة الحالية نموذجاً بالغ الأهمية في التعقل والحكمة والصبر والاعتدال غير مسبوق، الأمر الذي وفر للبنان فرصة من ذهب، أقفلت الأبواب في وجه الطامحين، المتطلعين الى اعادة ازكاء الخلافات والتباينات والمراهنة عليها وتجييرها في أي استحقاقات.. وقد كانت حرب »فجر الجرود« وما رافقها من »لغط« نموذجاً، ليعلن على الملأ، »ان الحكومة أعطت الضوء الأخضر للجيش لتنفيذ العملية، وهي فخورة بما حققه الجيش في أقل خسائر ممكنة..«.
في ملف سلسلة الرتب والرواتب، وبعيداً عن »المزايدات الشارعية«، يدرك الجميع ان لبنان، ليس في وضع صحي سليم، وان المرحلة التي يمر بها لبنان دقيقة للغاية، وعلى كل المستويات، وان اللعب على أوتار العواطف الشعبية، ان كان يستسهله البعض، فإنه غير وارد بالنسبة لرئيس الحكومة، خصوصاً بعد قرار المجلس الدستوري ابطال قانون تمويل السلسلة لأسباب حددها في بيان فضفاض.. لم يدر الحريري ظهره لهذه المسألة الحيوية والأساسية، ولم يزايد مع المزايدين في استقطاب العواطف الشعبية، فدعا مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية، كان يتمنى ان تكون برئاسة رئيس الجمهورية (على ما يقول البعض) ووضع خريطة عمل لحل أزمة السلسلة تستند الى ثلاثة أسس:
– تنفيذ سلسلة الرتب والرواتب
– احترام قرار المجلس الدستوري ابطال القانون الذي يمول السلسلة
– الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي الذي يضمن قيمة مداخيل اللبنانيين ومدخراتهم..
لم تأتِ مواقف الرئيس الحريري من فراغ، وهو كان قبيل جلسة مجلس الوزراء التقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المعروف الكفاءة العالية مؤكداً »وجوب ان تكون هناك ضرائب لتمويل السلسلة..«. ومن أسف ان مجلس النواب أدار ظهره وكأن المسألة لا تعنيه، لا من قريب ولا من بعيد، في وقت كان عديدون يشيرون الى وجوب ان يلتقي الرؤساء الثلاثة (ميشال عون، نبيه بري وسعد الحريري) لايجاد مخرج لهذه الأزمة التي كان لبنان بغنى عنها، وهو الذي يعاني تداعيات »الحرب الكونية« الدائرة في سوريا، جراء كثافة النزوح السوري التي فاقت قدرة لبنان واللبنانيين على الاحتمال، ولتكون مادة خلافية صعبة في طريقة انجاز الحلول، وكيف وقد توزعت المواقف الى داع لاحياء الاتصالات مباشرة مع الدولة السورية وبين رافض للتواصل المباشر ويقدم بديلاً عبر المؤسسات الدولية والدول الصديقة للبنان، على نحو ما حصل في لقاء الرئيس الحريري خلال زيارته الأخيرة لروسيا، لافتاً الى ان »هناك معاناة كبيرة من اللاجئين السوريين..« آملاً ان يشمل »العمل على حل سياسي بالنسبة لسوريا عودة اللاجئين السوريين في لبنان وفي كل المنطقة..« حيث في قناعة البعض ان »معالجة موضوع اللاجئين يجب ان تكون تحت مظلة الأمم المتحدة… من دون ان يقفل ذلك باب التفاوض مع مجلس الأمن على بعض التدابير وفتح مجال للعلاقات مع سوريا..«.
الانقسامات السياسية اللبنانية عديدة.. وخير للبنان ألف مرة ان تبقى هذه الانقسامات سياسية من ان يدفعها البعض الى انقسامات عمودية لا تبقي ولا تذر؟!