تساءل محللون سياسيون عن الاسباب التي دعت الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى الاطلال ثانية على الرأي العام بعد عشرة ايام على اطلالته الاولى، واختياره لقناة «الاخبارية السورية» كشاشة يطل من خلالها للمرة الاولى على الاعلام السوري الرسمي.
بعض هؤلاء المحللين اعتبروا ان حرص السيد نصرالله على الاطلالات المتلاحقة هو احساسه بأن المنطقة تشهد تطورات خطيرة يحرص كقائد لقوة فاعلة محلياً وعربياً واقليميا على ان يكون له موقف واضح مما يجري، فبدا محللاً في معالجة ملفات عدة ومعلناً مواقف في ملفات اخرى.
فريق آخر من المحللين رأى ان السيد نصرالله اراد من الاطلالة على الشاشة السورية الرسمية ان يبدد اشاعات واقاويل تتحدث عن «أزمة صامتة» بين الجيش السوري ومقاتلي حزب الله، خصوصا في ظل تركيز اعلامي على ان الحزب هو «صاحب الفضل الاساسي» في صمود النظام السوري، وان دوره يفوق دور الجيش السوري نفسه، وهذا ما حرص نصرالله على نفيه تماما وعلى التأكيد ان قوات الحزب العاملة في سوريا تأتمر بأمر القيادة السورية العسكرية والسياسية، وان دورها هو المساعدة، ولو المحدودة، ولكن في مفاصل اساسية من المعارك التي يخوضها هذا الجيش في جبهات متعددة.
ويذهب هذا الفريق الى القول ايضاً ان هذه الاطلالة جاءت ايضا لتبدد قلقا لدى القيادة السورية من ان يكون الاتفاق المبدئي الايراني ـ الغربي على حساب حلفاء ايران وفي مقدمهم النظام السوري.
ومن هنا لاحظ الفريق نفسه ان نصرالله قد شدد على ان التاريخ السياسي للثورة الاسلامية في ايران ليس فيه شاهد واحد على ان طهران تخلت أو
تتخلى عن اي حليف من حلفائها، مشدداً خصوصا على دور الرئيس بشار الاسد وشجاعته وحكمته وذلك في ردّ على بعض الاوساط الاعلامية التي توحي بأن اتفاقا قد تم على حساب رأس النظام السوري.
فريق ثالث من المحللين يعتقد ان لهذه الاطلالة مهمة اضافية لرفع معنويات الموالين للنظام السوري ينتابهم القلق من جراء تطورات ميدانية سلبية شهدتها الساحة السورية أخيرا، خصوصا في ادلب وعلى الحدود الاردنية.
ويشير هؤلاء المحللون الى ان السيد نصرالله المشهود له بصدقية توقعاته اراد ايضا ان يؤكد انتصار حلفائه في اليمن وان اطراف تلك الحرب «لم يحققوا» حتى الآن اي هدف من اهدافهم المعلنة.
وحرص السيد نصرالله ايضا، حسب المحللين انفسهم، على ان يوجه رسائل الى اطراف عربية واسلامية رئيسية يمكن ان يكون لها دور في هذه الحرب، فأشار مثلا الى ان قرار الحرب قد اتخذ من دون علم رئيس دولة عربية مهمة تعتبر حليفاً للمملكة العربية السعودية، ويعتقد هؤلاء المحللون ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو المقصود بهذه الاشارة.
وحول الموقف الباكستاني حرص نصرالله على ان يقدم تحليلا متوازنا لامكانية المشاركة الباكستانية في هذه الحرب، حين اشار الى ان باكستان، على رغم العلاقة الوثيقة التي تربطها بالسعودية، فانها تدرك الصعوبات التي تحول دون مشاركتها مباشرة في الحرب الا في حال تعرض دول الخليج لعدوان مباشر عليها، وهو موقف يعتقد المحللون ايضا، ان مصر ستتخذه ازاء مشاركتها الكاملة في هذه الحرب.
وكان لافتا حديث السيد نصرالله عن تركيا التي اكد انها حريصة على تسحين علاقتها بالمملكة العربية السعودية ولكن ليس الى الدرجة التي تنخرط بها في هذه الحرب، وهو كلام تزداد اهميته حين قاله على شاشة رسمية سورية تشن يوميا هجوما عنيفا على انقرة وحكومتها وتتهمها بأنها وراء كل المآسي في المنطقة.
ولقد فهم هؤلاء المحللون ان نصرالله وحلفاؤه يسعون الى تحييد هذه الدول العربية والاقليمية الكبرى والى منحها نوعا من «خط الرجعة» في الازمة اليمنية لكي تصبح جزءا من القوى الضاغطة من اجل حل سلمي بدلا من ان تكون دولا منخرطة في حرب قد تتسع لتصبح حربا اقليمية وعالمية.
وكان اللافت في نظر هؤلاء المحللين ايضا تأكيد موقف حزب الله من حركة «حماس» التي لم يخفِ خلافه مع قيادتها حول المسألة السورية، لكنه يراها قوة فاعلة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وهو المعيار الرئيسي الذي يحدد فيه موقفه من كل الاحزاب والحركات والانظمة.
بعض المحللين اعتبروا ان كلام نصرالله المنفتح على «حماس» ومن شاشة رسمية سورية أنه تمهيد لمسعى يحاول «اصلاح ذات البين» بين القيادة السورية و«حماس» وهو مسعى حرص حزب الله ومعه طهران على القيام به منذ فترة غير قصيرة.
وما يعزز هذا المسعى هو ما يجري من اشتباكات في مخيم اليرموك في دمشق بين تنظيم «داعش» وبين كتيبة «بيت المقدس» القريبة من «حماس»، وهو امر سينعكس ميدانياً في مواجهة مشتركة بين الفصائل الفلسطينية ومعها «حماس» وبين تنظيم «داعش» الذي بات يسيطر على نصف مخيم اليرموك الذي يعتبر أحد احياء العاصمة السورية.
نصرالله ايضا رغم موقفه الواضح مما يجري في اليمن حرص على ان يؤكد ضرورة الحوار بين اليمنيين لوقف الحرب واستعادة الدولة اليمنية لدورها، وخصوصا بعد سيطرة تنظيم «القاعدة» على محافظة حضرموت ذات الحدود الواسعة مع السعودية، ومع سلطنة عمان ايضا.
وعلى رغم من حرص نصرالله على مواصلة اعتراضاته على السياسة السعودية ازاء حلفائه في اليمن وفي مقدمهم حركة «انصار الله»، إلاّ انه حرص ايضا على ابقاء مسافة بينه وبين سياسة هؤلاء الحلفاء الذين اوحى بأنهم لم يغلقوا مضيق باب المندب ويعطلوا الملاحة فيه، ولم يفتحوا معركة كبيرة على الحدود مع السعودية ولم يستخدموا صواريخ بعيدة المدى لقصف اهداف في عمق الاراضي السعودية، من دون ان يستبعد حصول مثل هذه العمليات العسكرية في حال استمرت الحرب.
ولكن المراقبين لاحظوا ان نصرالله قد نأى في خطابه عن الأحداث الجارية في مدينة العوامية في شرق السعودية، وكأنه لا يريد صب الزيت على النار في هذه المنطقة الحساسة، وهو امر يعتقد المراقبون انه رسالة تحمل دعوة للرياض الى مراجعة سياساتها.
ولذلك يعتقد المحللون ان خصوم السيد نصرالله المحليين والعرب والاقليميين مدعوون الى قراءة مواقفه هذه بدرجة عالية من الدقة، وقراءة ما بين السطور، فهي في النهاية تحمل دعوة الى الحوار حول اليمن وغير اليمن من الملفات المشتعلة في المنطقة.