بعدما توقّف قطارها في محافظتي الشمال وعكّار انتهت «همروجة» الاسابيع البلدية لانتخابات 2016، مع ما رافقها من حملات إعلانية مباشرة وغير مباشرة وتغطية إعلامية استثنائية من مختلف وسائل الإعلام، واستعمال تكتيكات قروية ومحلية بعضها قديم قدم المعارك الانتخابية وبعضها الآخر جديد من المفترض أن تستفيد منه «كبرى الديموقراطيات»، وبعدما غرقنا في تحليلات وتنظيرات لإعطاء الانتخابات البلدية وصفاً دقيقاً، فمنهم مَن وصفها بالانمائية وآخرون أصرّوا أنها سياسية، والأغرب من ذلك تبدل هذه التوصيفات بين جولة وأخرى بحسب المصالح والمطامع لتختلط الآراء والأفكار، ولنضيّع «بعمق» وجدّية هذه التحليلات ولنكتشف بعد جهد أنّ الفرق بينهما كالفرق بين وجهَي العملة الواحدة…
انتهت العملية المباشرة ليستعدّ الساسة ومن مختلف الاتجاهات للنزول عن شجرة الانتخابات البلدية سريعاً، بعدما صعدوا إليها ببطء شديد كونهم كانوا يعملون على تأجيلها، وحينما اضطروا لخوضها أظهروا مقدرة عجيبة على دخولهم في تحالفات غريبة عجيبة جمّلوها بحجج كثيرة، مطلقين تصريحات نارية ورسائل في مختلف الاتجاهات وعلى مختلف المستويات بعضها بقيَ ضمن الإطار المحلي الضيق والبعض الآخر وصل الى حدّ ربط الانتخابات بالصراع الايراني السعودي.
انتهت العملية وأقفلت الصناديق والمراكز الانتخابية، من دون أن تنتهي ارتداداتها إن على صعيد القرى والمدن، وإن بين القوى والاحزاب، وداخل كلّ حزب. فالانشقاقات والاعتراضات والتفسّخات ظاهرة ولا يمكن الاستهتار بها أو القفز فوقها، والمضحك المبكي أنّ هذه الاشكاليات ستبقى حتى إشعار آخر، قنابل إعلامية من دون أن تؤدّي الى إصلاحات حقيقية داخل الاحزاب والقوى السياسية، كون أيّ إصلاح سيؤدي حتماً الى سقوط الهياكل الحزبية على مَن يتربّع عليها… وكون هؤلاء توجّهت أنظارهم تلقائياً الى مواعيد الانتخابات النيابية، والى القانون الذي سيرعى إجراءها، وكلّ الكلام الحالي المعلن يُخفي نية واحدة وأكيدة لدى القوى والاحزاب المسيطرة على المجلس النيابي ألا وهي تعطيل مفاعيل الانتفاضة الشعبية التي ظهَرت في الانتخابات البلدية ولو بشكلٍ خجول، خصوصاً في المدن الاساسية وفي مختلف المحافظات…
فهذه القوى التي تُسيطر على الحياة السياسية اللبنانية منذ زمن بعيد تُدرك بحدسها وغريزة البقاء التي تتمتّع بها، أنها امام خطر سحب البساط الشعبي من تحت أقدامها، خصوصاً أنّ الوعي المواطني لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين بات ظاهراً وواضحاً، وثقتها في النظام وأدواته وصلت الى الخط الاحمر.
بسبب ما تواجهه في حياتها اليومية من أزمات ومشكلات وعدم قدرة القابضين على السلطة (او بالأحرى عدم رغبتهم) في معالجة أيّ ازمة والنفايات آخرها. اضافة الى انتشار الرشوة والفساد والمحسوبية بشكل غير مسبوق، وغياب شبه كليّ للعدالة الاجتماعية ولسطوة القانون ولهيبة السلطة.
من هنا ومنعاً لأيّ مفاجأة غير سارّة قد تفرزها نتائج الصناديق النيابية سيتوحّد أركان طاولة الحوار (حيث السلطة الحقيقية) خلف قانون يمنع ظهور أيّ تبدل في المشهد القائم حالياً، ومن غير المستبعد أن نشهد تحالفات غريبة بين اركانها، كلّ ذلك بهدف تحقيق هدف واحد ألا وهو إعادة إنتاج مجلس نيابي يُشبه الى حدٍّ كبير المجلس الحالي سواءٌ بتوزّع القوى السياسية فيه او بالاسماء وحتى بالإنتاجية التي قاربت الصفر… ومَن يعش يرَ ويشهد.