Site icon IMLebanon

بين الممكن والمستحيل

 

يرتفع مستوى المخاطر وتزداد معه حراجة الخيارات المطروحة على لبنان مع استمرار الإجراءات الأميركية على ايران. يشهد العراق مع حكومة مصطفى الكاظمي تحولاً واضحاً لإخراج الميليشيات الإيرانية من دائرة السلطة، وتتعرض المواقع الإيرانية في سوريا بشكل متزامن لنزف يومي، ويستعد لبنان بدوره لاستقبال ترددات الفالق الزلزالي الأميركي المتحرّك تحت أقدام إيران وحلفائها. البيئات السياسية على تنوّعها واختلافاتها دخلت المدار الأميركي من موقع الفعل أو ردّ الفعل، والوقائع اليومية الكثيفة والمتنوعة والمتداخلة، التي يبدو متعذّراً تصنيفها وفقاً لأهميتها، يسهل منهجياً ربطها بمسار يُفضي حكماً الى دخول لبنان مرحلة تحولٍ كبير.

 

تشكّل حراجة المرحلة اختباراً للتحالفات الهشّة لمكونات السلطة، التي لم تعدّ قادرة على إخفاء تناقضاتها العميقة، وفي الوقت عينه اختباراً لقدرة قوى المعارضة على التمرّد. لقد أصبح متعذّراً الحفاظ على المصالح المشتركة للتحالف الحاكم  في ضوء الضغوط الإقتصادية والسياسية والأمنية التي تُلقي بثقلها على لبنان. الجمهور المسيحي المؤيّد للرئيس ميشال عون لم يعدّ قادراً على ابتلاع تبِعات الاستمرار بدعم حزب الله، هو الذي اعتبر يوماً أنّ هذا التحالف ما هو إلا نزهة قصيرة تتيح له الانقضاض على خصومه السياسيين والانتقام من الطائف والثأر لصلاحيات فَقدها، يعود بعدها لخوض معركة التسويّة النهائية مع الحلفاء.

 

لقد أسقطت تداعيات ذلك التحالف محرّمة إسقاط الرئيس. إنّ تمنّع الفرقاء المسيحيين من داخل الحكم وخارجه عن حضور لقاء بعبدا بالرغم من مسلّمة الحرص التاريخية على مقام الرئاسة، ومطالبة الدكتور سمير جعجع الرئيس عون بالإستقالة، تلك التي واجهت مكوّنات 14 آذار عند المطالبة باستقالة الرئيس إميل لحود، شكّلا سابقة في إدخال هذه المحرّمة حيز الإجراءات المتاحة. لم يعد الفريق المسيحي برّمته قادراً على تحمّل تبعات الحفاظ على موقع الرئاسة الماروني في ظلّ استمرار الانهيار والتبعيّة والوهن التي لن يستطيع تعويضها في المستقبل.

 

المنابر الإعلامية للتيار الوطني الحر التي تخاطب حزب الله من موقع رفض العلاقة غير المتوازنة ورفض الإملاءات تنذر بأنّ التصدّع الذي يعانيه المعسكر الإيراني في العراق وسوريا قد امتدت تردداته الى الداخل اللبناني. استعراضات القوة المدولبة التي يقوم بها حزب الله على أطراف الضاحية الجنوبية والتي تبدي تحفزاً لتوسيع دائرة إنتشارها بالرغم من الطوق الأمني الذي تفرضه قوى الجيش، يعيد حسابات التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر الى بداياتها. والارتباك الرسمي بعد الحكم القضائي الذي أصدره القاضي محمد مازح بحق وسائل الإعلام اللبنانية بعد تصريحات السفيرة الأميركية دوروثي شِيا، الذي تأرجح بين الإعتذار الذي لم تجرؤ الرئاسة اللبنانية على المجاهرة به وبين استدعاء السفيرة الى وزارة الخارجية وصدور بيانها بعد الاجتماع، يثبت أنّ الرئاسة التي كانت تنوء تحت مغامرات حزب الله تحوّلت الى موقع لتلّقي الإملاءات.

 

أمام كلّ تلك التّحديات لا تبدو إيران ومعها حزب الله قادران على التراجع خطوة الى الوراء لتوسيع زاوية الرؤية بما يسمح بتقدير حجم المخاطرة وتقدير الخسائر. تحاول طهران تكرار تجارب الماضي وتحاول إقناع نفسها وحلفائها أن التاريخ سيعيد نفسه بصرف النظر عن اختلاف الظروف الموضوعية التي أدّت الى صعودها. المناخ الأمني الذي يشاع والذي يحذّر من تهديدات أمنية تستهدف لبنان، يعيدنا بالذاكرة للتصريحات المكثفة التي سبقت إلقاء القبض على ميشال سماحة، وتعميم خبر تعرّض موكب الرئيس سعد الحريري لهجوم أثناء عودته من البقاع، قد ينذران  بالعودة الى أيام خلت ولكنهما لا يبدوان مخيفان لشعب أضحى مهدداّ بلقمة عيشه.

 

إنّ إنقاذ الأفق المسدود من حتميّة الانفجار لا يبدو متاحاً سوى بتغيير توازن القوى سواء من الداخل أو من الخارج. تدخلات الخارج التي تسبّب بها الارتجال في قراءة المتغيّرات والظروف خبرها اللبنانيون في أكثر من مفترق إقليمي وكانت الأكثر كلفة على المستوى الوطني، فهل يبدو ممكناً أن يختبر اللبنانيون هذه المرة تغيير المعادلة من الداخل؟