لماذا الإصرار على الاشتباك مع بري؟
بين المشروع وإرث «التيار».. ورهانات الخصوم
يقاتل العماد ميشال عون على جبهات عدة في آن واحد: جبهة المجلس النيابي وتعطيل انعقاده حتى لتشريع الضرورة، وجبهة التعيينات الأمنية والعسكرية، وجبهة رئاسة الجمهورية. وكل ذلك بمحاذاة جبهة الغاز والنفط والتجاذبات الدائرة حول المراسيم التطبيقية والتلزيمات والبلوكات البحرية…
تلك المعارك مفتوحة كلها، ولا يبدو أفقها مفتوحاً على حلول جذرية أو وسطى.. او قواسم مشتركة. في الرئاسة انتظار، وفي النفط لا قرار، وأما التعيينات، فذهب عون الى رفع السقف عشية جلسة مجلس الوزراء التي يُفترض ان تبت بها.
حلفاء عون يدعمونه، مع انهم متيقنون ان طريقه مقطوعة، وفي أحسن حالاتها، مزروعة بالأشواك والوعود الفارغة من الجانب الآخر.
وأما خصومه، فرهانهم على «عامل الوقت» لعله يخرج عون من المعادلة نهائياً. وإلى ذلك الحين هم ثابتون على مهادنته والتحايل عليه من مجموعة خبراء في الدهاء السياسي. توددٌ وعواطفُ ومراسلات وموفدون.. ووعود تتدفق تكسرها أصوات منبهة تنطق بالموقف الحقيقي: «لا تعيين لقائد جيش يسميه عون.. لا نصيب له في رئاسة الجمهورية».
تلك الصورة، مرئية على حقيقتها، من قبل حلفاء عون، وكذلك من داخل «التيار الوطني الحر»، وثمة من يسأل هنا: هل يرى عون هذه الصورة؟
بعض «المخلصين» سألوا عون مباشرة: «هل أنت تصدق فعلاً الوعود التي قطعها لك سعد الحريري أو التي يرسلها لك من حين الى آخر، وهل تضمن ان يفي بها؟ مشكلتك هنا.. وليست مع فريقك! ومن هؤلاء من بات لديه ما يسميه «صندوق مآخذ» على أداء ثبت أنه يكثر الخصوم ويقلل الأصدقاء وفيه:
– مفاجأة جمهور التيار البرتقالي، بالانتقال فجأة، وفي ذروة التصعيد السياسي، من أقصى الخصومة والاتهامات و»الإبراء المستحيل» .. الى مهادنة سعد الحريري، والدخول معه في حوار لم ينتج سوى وعود وتقطيع للوقت.
– من نصح عون بالمبادرة الأخيرة التي طرحها؟ عُرضت على القوى السياسية، فماذا بقي منها، وما هي الخطوة التالية؟
– حوار وانفتاح على الحريري وسمير جعجع، وفي المقابل حذر من ناحية الحلفاء وإصرار على الاشتباك الدائم مع الرئيس نبيه بري. والهمس كثير في المحيط «القريب والحليف»حول هذه الأمور:
١ – ألا يرى عون أن الحريري، ومعه «14 آذار»، لا يمكن ان يسلموا بخياراتهم للفريق الآخر، لأنهم يعتبرون أنَّ مجرّد التسليم سيؤدي حتماً الى مزيد من الاختلال في التوازنات لمصلحة خصومهم؟
٢ – هدف الحوار مع جعجع أن يتبنى جعجع ترشيحه، وهذا ما لم، ولن يحصل. لم يربح عون، بل من خلال هذا الحوار رفع «الحرم العوني» عن جعجع، وفتح له باب الدخول الى المزاج العوني الذي كان يرفضه. وأما المفاعيل فقد تجعل «القوات اللبنانية» محطة استقطاب مستقبلاً لمن هم عونيون اليوم، بما يكرس جعجع اول في الشارع المسيحي. وهذا ما قاله قيادي مسيحي بارز صراحة لوفد «تكتل التغيير والإصلاح» زاره لإبلاغه مبادرة عون.
٣ – السقوط في الفخ القواتي، ولا سيما حول القانون الانتخابي، والإصرار على إدراجه في جلسة مجلس النواب كشرط للموافقة على تشريع الضرورة. ولكن أي قانون؟ وقبل المطالبة بإدراجه، هل ثمة صيغة مشتركة بين عون وحلفائه حول القانون الانتخابي؟ وهل تشاور مع حلفائه كي يدعموه؟ ثم كيف نطالب بإدراج قانون الانتخاب كنقطة في جدول الأعمال ولا يوجد تفاهم بين الحلفاء عليها؟
٤ – الاشتباك المتواصل مع بري حول أدنى التفاصيل، فهل يمكن إنتاج قانون انتخابي بمعزل عن بري ومن دون التفاهم معه؟ أو أن تجري انتخابات رئاسية بمعزل عن بري، ومن دون التفاهم معه؟ ثم كيف تطلب أصواته وأنت تطلق النار عليه؟ ثم كيف تطلب اصوات مجلس نيابي وأنت ما زلت حتى الآن تصفه باللا قانوني واللاشرعي؟
٥ – التلويح الدائم بالتصعيد، والتهديد بفرط الحكومة ربطاً بملف التعيينات الأمنية والعسكرية. لا جدوى من اعتكاف وزراء «التكتل»، وتجربة الاستقالة كانت فاشلة لوزراء «8 آذار» عندما تركوا فؤاد السنيورة يحكم وحده؟
٦ – لا فرصة في المدى المنظور لتفاهمات إقليمية او دولية تخرج لبنان رئاسياً من عنق الزجاجة. لا إجماع حول عون، ولا حول رغبته تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش. الأداء في كلا الحالتين أظهر الجنرال وكأنه يخوض آخر معاركه، وأنه يتعرّض لجملة ضغوط، منها ذاتي، ومنها من داخل البيت العوني. وخصومه يراهنون على أن خسارته المعركة تعني النهاية لمشروعه وتياره.. بينما الأهم هو «التيار» الذي يحمل المشروع.