IMLebanon

بين “إصلاح الجمهوريّة” و”الجمهوريّة القويّة” هل يمكن تطبيق أيّ منهما… وكيف؟

يرى سياسي مخضرم أن التوصل إلى اتفاق بين الأقطاب على أي دولة يريدون للبنان يجب أن يسبق الاتفاق على أي رئيس يريدون ويصلح لهذه الدولة.

لقد عاش لبنان في شبه دولة منذ أن تحوّل سلاح المنظمات الفلسطينية فيه إلى دولة تقاسمها الصلاحيات والقرارات، وكان رؤساء الجمهورية في ظل هذا الوضع شبه رؤساء، وكذلك الحكومات، إذ لم يكن يتم التوصل إلى تشكيل حكومة إلا على أساس اتفاق القاهرة وإلا فلا حكومة. وعاش لبنان في شبه دولة عندما خضع للوصاية السورية، وكانت هذه الوصاية هي التي تعيّن رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات والوزراء، وتضع قوانين للانتخابات تأتي بأكثرية نيابية موالية لهذه الوصاية ولاستمرارها باعتبار انها “ضرورية وشرعية وموقتة”… ودامت الوصاية 30 عاماً خلافاً لما نص عليه اتفاق الطائف، ولم يصل إلى رئاسة الجمهورية إلا من وافق على استمرار هذه الوصاية وقبِلَ أن يكون محكوماً منها وليس حاكماً، ومن رفض هذه الوصاية خسر رئاسة الجمهورية، وكان على رأس الرافضين العميد الراحل ريمون إده الذي أجاب المبعوث الأميركي دين براون على سؤال طرحه عليه برفضه بقاء الجيش السوري في لبنان ورفضه مرة أخرى انتخابه رئيساً للجمهورية ما لم يسبق ذلك انسحاب الجيش السوري والجيش الفلسطيني والجيش الاسرائيلي من لبنان، لأنه لن يكون رئيساً للجمهورية بوجود هذه الجيوش بل مجرد محافظ… وعاش لبنان مرة أخرى في ظل شبه دولة عندما أصبح السلاح في يد “حزب الله” فتحول الحزب بوجود هذا السلاح دولة ضمن الدولة تماماً كما كان في ظل السلاح الفلسطيني. فلا رئيس للجمهورية يمكن انتخابه إذا لم يكن الحزب قابلاً به بدليل ما حصل عند انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية كونه مستقلاً وخارج قوى 8 و14 آذار، وما هو حاصل اليوم بإصراره على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية من دون سواه، ولا يقبل حتى الآن برئيس مستقل وتوافقي، ولا أحد يعرف متى يقبل به وإلى متى يستمر الشغور الرئاسي، وأيضاً لا حكومة يمكن تشكيلها إلا إذا كان الحزب يرضى بها، فكانت حكومات “وحدة وطنية” لا وحدة موقف لها من المواضيع المهمة فيبقى إقرارها معلقاً إلى حين التوصل إلى توافق عليها، ولا سياسة لأي حكومة إلا إذا كانت مقبولة من “حزب الله” حتى لو اعتمدتها الأكثرية الوزارية وهو ما حصل مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إذ خالف الحزب علناً سياسة النأي بالنفس وأرسل مقاتليه إلى سوريا ليحاربوا إلى جانب جيش النظام ضد المعارضة، ما زاد الانقسام السياسي والمذهبي في لبنان وعرّض حدوده مع سوريا لهجمات “داعش” وأخواتها، وكانت النتيجة أن “حزب الله” الذي ذهب إلى سوريا ليقاتل هذا التنظيم وغيره من التنظيمات التكفيرية والارهابية على أرض سوريا وجد نفسه في مواجهة معها على أرض لبنان، ولا أحد يعرف كيف تتطوّر الأمور وهل يبقى لبنان مستقراً وتظل المظلة الدولية قادرة على حفظ هذا الاستقرار على رغم إدخال لبنان في دائرة الخطر؟

ولا مجال من جهة أخرى لإجراء انتخابات نيابية في موعدها الدستوري ما لم يكن القانون الذي تجرى على أساسه مقبولاً من “حزب الله”، فأدى الخلاف عليه إلى تأجيل الانتخابات ومواجهة التمديد مرة ثانية لمجلس النواب. وهكذا يعيش لبنان في شبه دولة في ظل سلاح “حزب الله” كما عاش كذلك من قبل في ظل السلاح الفلسطيني ثم في ظل الوصاية السورية التي كانت هي الدولة…

والسؤال المطروح هو: مَنْ هم المرشحون للرئاسة في ظل استمرار شبه دولة في لبنان، ومن هم المرشحون الذين يشترطون أن يكونوا رؤساء لدولة قوية قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها، ولا يكون لها شريك لا في تطبيق القوانين ولا في حمل السلاح؟

لقد رفع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لترشيحه شعار “الجمهورية القوية”، ولكن هل في استطاعته إقامة هذه الجمهورية في ظل الوضع الشاذ الراهن وفي ظل سلاح أقوى من سلاح الدولة؟ وهل في إمكانه التخلص من هذا السلاح إلا بقرار إقليمي ودولي لا أحد يعرف متى يصدر؟ ورفع العماد ميشال عون شعار “إصلاح الجمهورية”، فهل في إمكانه إصلاح ما أفسده الدهر وقد بات ملح الإصلاح نفسه فاسداً؟…

لذلك فإن ثمة مرشحين يقبلون بأن يكونوا رؤساء على شبه دولة آملين في أن يجعلوها دولة، ومرشحين يشترطون أن يكونوا رؤساء على دولة قوية وهو شرط قد يكون من الصعب تحقيقه في الظروف الراهنة، فما عليهم في هذه الحال سوى أن يتشبّهوا بموقف العميد الراحل ريمون إده الذي اشترط لانتخابه رئيساً انسحاب القوات السورية والفلسطينية والاسرائيلية لكي يكون رئيساً فعلاً لا قولاً. وما دام لا حل لمشكلة سلاح “حزب الله” في المدى المنظور فلن يكون في لبنان سوى شبه دولة وشبه رئيس لها.